مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت.. ما تفاعلات القرار وتداعياته؟

إياد القطراوي

23 نوفمبر 2024

3121

في سابقة الأولى من نوعها أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" الخميس 21 نوفمبر الجاري مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، تشمل استخدام التجويع كسلاح حرب من خلال منع المساعدات كالغذاء والماء والدواء، وتعريض السكان للمعاناة الشديدة، وجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد، وتوجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين، والمسئولية المباشرة عن ممارسات جيشها ضد المدنيين في غزة، بعد رفضها الالتماسات التي قدمتها دولة الاحتلال في وقت سابق بهذا الخصوص، مؤكدة أن هناك أسبابا منطقية لاصدار أوامر الاعتقال بحقهما كونهما المسئولان عن تلك الجرائم.

وبينت المحكمة أن قبول دولة الاحتلال باختصاص المحكمة غير ضروري، كما اعتبرت أن الكشف عن أوامر الاعتقال هذه يصب في مصلحة الضحايا الفلسطينيين.

الأهمية والنتائج:

ورغم الدعم اللامحدود الذي تحظى به دولة الاحتلال الصهيوني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تسعى لحمايتها وتدافع عنها في منظمات الأمم المتحدة كان آخرها استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الامن ضد قرار وقف الحرب على غزة، الا أن مثل هذا القرار قد يكون له أهمية كبيرة على المستوى الدولي والفلسطيني:

  • يُمثل خطوة كبيرة نحو محاسبة المسؤولين الصهاينة على الأفعال التي يعتبرها المجتمع الدولي انتهاكًا صارخا لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
  • يُؤثر على سمعة دولة الاحتلال على الصعيد الدولي، ويزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية عليها.
  • يُشكل دعمًا للأصوات المنادية بحقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، ويُظهر التزام محكمة الجنايات الدولية بمكافحة الاجرام وعدم الإفلات من العقاب.
  • يُحفز بعض الدول والمجموعات الدولية على اتخاذ مواقف أقوى ضد السياسات الصهيونية.

ردود الأفعال:

ولقد لاقى القرار ردود أفعال دولية متباينة، أبرزها:

  • فلسطينيا: اعتبرت السلطة الفلسطينية وداعميها أن التحقيق في الجرائم الصهيونية سيكون خطوة نحو تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية. كما أكدت منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" على أهمية القرار في تحقيق العدالة الدولية لضحايا الجرائم.
  • صهيونيا: اعتبرت دولة الاحتلال القرار غير قانوني، ورفضت اختصاص المحكمة بالنظر في القضايا المتعلقة بالأراضي الفلسطينية، مشيرة إلى أن فلسطين ليست دولة ذات سيادة ولا يحق لها تقديم قضايا إلى المحكمة.
  • أمريكيا: رغم أنها ليست عضوًا في المحكمة الا أن الولايات المتحدة الأمريكية عبرت عن دعمها لدولة الاحتلال، وأكدت على موقفها المعارض للمحكمة، ودعت إلى عدم الاعتراف بقراراتها بشأن القضايا الفلسطينية.
  • أوروبيا ودوليا: دعمت العديد من الدول الأوروبية مثل هولندا وبلجيكا وايرلند والسويد والنرويج موقف المحكمة الجنائية الدولية، مشددة على ضرورة أن تلتزم الأطراف بتطبيق القانون الدولي. بينما كانت هناك دول أخرى تتحفظ على بعض تفاصيل التحقيقات، مثل فرنسا وإيطاليا مع التأكيد على أهمية إيجاد حل سياسي للنزاع الصهيوني الفلسطيني.

التأثيرات والتفاعلات:

كما كان للقرار تأثير كبير على نتنياهو سواء داخليًا أو خارجيًا أو على مستوى التحدي الدبلوماسي:

  • داخليًا: فقد كان القرار فرصة لتعزيز موقفه السياسي في الداخل، حيث استخدم القرار للظهور أمام الرأي العام الصهيوني كمدافع عن أمن دولته وسيادتها. كما اعتبر هذا القرار جزءًا من حملة هجوم دولية ضده وضد دولته، مما يعزز دعمه بين أوساط اليمين المتطرف، وأشار إلى أن المحكمة تمارس ازدواجية في المعايير، وأكد على أن دولته ستكون دائمًا ملتزمة بالدفاع عن نفسها ضد أي تهديدات، مما ساعده في الحصول على دعم فئات واسعة من الشعب الصهيوني.
  •  خارجيًا: أدى القرار إلى تصعيد التوترات بين دولة الكيان وبعض الدول الأوروبية التي أيدت التحقيقات، وكذلك مع دول أخرى في الأمم المتحدة، رغم أن بعض القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، وقفت إلى جانب حليفتها الصهيونية، إلا أن قرار المحكمة كان له تداعيات سلبية على صورة دولة الاحتلال على المستوى الدولي مما ينذر بعزلتها دوليا.
  • دبلوماسيا: فمواجهة القرار على الساحة الدولية يتطلب من نتنياهو استراتيجيات دبلوماسية مكثفة، وبذل جهود إضافية للحفاظ على تحالفاتها، خاصة مع الولايات المتحدة، ومواصلة حملات الضغط على المحكمة الجنائية الدولية.

الأسباب والعوامل:

ولقد برزت العديد من الأسباب التي ساهمت في اتخاذ مثل هذا القرار أهمها:

  • تزايد الأعداد الضخمة من القتلى والجرحى المدنيين الفلسطينيين في غزة بفعل الحرب الصهيونية التي خلفت ما يزيد عن 200 الف ما بين شهيد وجريح، أثار قلقًا دوليًا متزايدًا، وكذلك الوضع الإنساني الصعب في غزة، بما في ذلك الحصار الصهيوني المستمر منذ سنوات طويلة، ساهم بشكل كبير في تصاعد الدعوات للتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية، مما شكل ضغطا كبيرا على المحكمة الجنائية الدولية من قبل المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي للتحقيق في مثل هذه القضايا.
  • مبالغة دولة الاحتلال في استخدام القوة العسكرية ضد الفلسطينيين المدنيين الأبرياء العزل، فتفسير قانون النزاع المسلح الدولي (مثل اتفاقيات جنيف) في الصراعات الحديثة، خاصة في مناطق مثل غزة، حيث لا توجد جبهات قتال تقليدية، ولا تكافؤ في العتاد والأسلحة والجيوش يعتبر أمرا صعباً، لان  كل الهجمات الصاروخية الصهيونية وقعت في المناطق المدنية المزدحمة، ما يجعل تقييم التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية معقداً.
  • مطالبة المنظمات الحقوقية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية، بتوجيه تهم ارتكاب جرائم حرب وابادة ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك القصف العشوائي للمدن والمناطق المكتظة بالسكان، واستهداف البنية التحتية المدنية وكذلك السكان المدنيين الأبرياء، معتبرة أن ذلك من صلب اختصاصات محكمة الجنائية الدولية التي يجب أن تكون معنية بالتحقيق في مثل هذه القضايا.
  • تراكم المعلومات نتيجة التحقيقات المستمرة التي أجرتها المحكمة والتي تعتمد على شهادات وأدلة دامغة تثبت للمحكمة انتهاك دولة الاحتلال للقانون الدولي والإنساني في غزة، وتورط كلا من، نتنياهو، وغالانت شخصيا في تلك الجرائم باعتبارهما الشخصين اللذين يقودان الحرب على غزة، ويعطيان الأوامر للجيش.

إن قرار المحكمة الجنائية الدولية على أهميته يُعتبر خطوة جديدة وكبيرة على طريق محاسبة دولة الكيان على جرائمها الدولية والإنسانية، وسيظل وصمة عار يلاحق قادتها الذين وصفهم القرار بالإرهابيين والمجرمين، وستكون له تأثيرات كبيرة في الحاضر والمستقبل القريب على الأمن والسياسة في منطقة الشرق الأوسط.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة