مفاوضات غزة.. تصريحات ترمب تكشف زيف وساطة مبعوثه ويتكوف

إياد القطراوي

26 يوليو 2025

180

جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن انهيار المفاوضات، وتحميل حركة حماس المسؤولية عن فشلها، بالإضافة إلى انسحاب الوفد الأميركي من عملية الوساطة، بين حركة حماس و"إسرائيل" لتكشف بوضوح ليس فقط عن انهيار محاولة دبلوماسية أخرى، بل عن زيف الوساطة الأميركية ذاتها، خاصة تلك التي يقودها مبعوثه ستيف ويتكوف.

هذه التصريحات، وإن بدت في ظاهرها تحليلًا سياسيًا لنتائج قضية معينة، إلا أنها في جوهرها تفضح بنيانًا دبلوماسيًا هشًا، كان يتستر طوال الوقت خلف شعارات الوساطة والسلام والحياد، بينما الحقيقة هي دعم مطلق لـ "إسرائيل" ومحاولة فرض الإملاءات على حماس بالقوة.

تصريحات بلغة التهديد

ترامب، كعادته، لا يلتزم بالسردية الدبلوماسية التقليدية، وقد كشف في تصريحاته الأخيرة ما كانت إدارات أميركية سابقة تحرص على تجميله أو التعتيم عليه، إذ قال بشكل مباشر وبلغة التهديد العلني والصريح: "لقد انسحب وفدنا من المفاوضات لأن حماس لا تهتم بإبرام صفقة لاستعادة الرهائن، ولا تريد وقف الحرب، لأنها تعرف ماذا سيحصل لها بعد استعادة كل الرهائن، ولهذا سيكون من الصعب استعادتهم، لأنها تعرف أنه لن تكون لديها أوراق للمساومة، وستتم ملاحقتها والقضاء عليها، وأعتقد أنها تريد أن تموت" في تماهي علني فاضح ومكشوف مع الموقف "الإسرائيلي" وكأنه يؤكد أن الهدف فقط استعادة الرهائن ثم استئناف الحرب للقضاء عليها.

هذه التصريحات، تعكس رؤية أحادية تُحمّل الضحية كامل المسؤولية عن فشل المفاوضات، وتتجاهل كل الممارسات "الإسرائيلية" على الأرض من ابادة واغتيالات، وتدمير وقصف للمدنيين، وحصار وتجويع، وبهذا، يكشف زيف وساطة مبعوثه ويتكوف، الذي اتضح أن دوره لم يكن سوى غطاء لتحركات تهدف إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية، وتبرئة الاحتلال، ويتخذ من المفاوضات ذريعة لاستمرار الحرب، وإعطاء فرصة لـ "إسرائيل" لاستكمال حربها وسياستها التهجيرية، لإعادة تموضعها سياسيًا وعسكريًا، وكسب الوقت لتكريس وقائع جديدة على الأرض.

وجهان لعملة واحدة

كان واضحًا أن ويتكوف لم يكن وسيطًا محايدًا، بل جزءًا من منظومة سياسية أميركية تبنّت الرواية "الإسرائيلية" بالكامل، فهو لم يحمل الاحتلال ووفده التفاوضي في أي مرحلة من مراحل التفاوض السابقة مسئولية تعطيل المفاوضات، رغم ادراك الجميع بأن المعطل الحقيقي لها في كل مراحلها هو نتنياهو، من أجل مصالحه الشخصية وعدم انهيار ائتلافه اليميني المتطرف، ولم يعترف بالمطالب الفلسطينية العادلة، بل ركّز جهوده على إقناع حماس بالتخلي عن المقاومة، وانسحابها من المشهد السياسي دون أن يطالب "إسرائيل" بالتخلي عن الاحتلال أو العدوان.

وفي هذا الإطار، يصبح الانسحاب الأميركي من الوساطة بناءً على تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية ليس إعلان فشل، بل إعلان تحيّز وانكشاف. فالوسيط الذي ينسحب حين لا يقبل أحد أطراف النزاع بما يمليه عليه، لم يكن وسيطًا من البداية.

إن تركيز ترامب على تحميل حركة حماس المسؤولية عن انهيار المفاوضات ليس محض صدفة، لأنها سياسة منحازة دوما لـ "اسرائيل"، تهدف الى تصنيف كل أشكال المقاومة الفلسطينية كـ "إرهاب"، ومحاولة نزع الشرعية عن الفصائل المسلحة، مع تجاهل الظروف التي أدت لنشأتها، لكن الأهم هو أن هذه التصريحات تُستخدم لتبرير الانسحاب من أي التزام بمسار تفاوضي جدي، ولتبرئة "إسرائيل" من مسؤوليتها عن انهيار المفاوضات، خاصة في ظل الإبادة والجرائم التي ارتُكبت في الحرب على غزة.

وبذلك، فإن تحميل حماس المسؤولية لم يكن هدفه توصيفًا واقعيًا، بل غطاءً للانسحاب الأميركي والإسرائيلي من المسار التفاوضي، بعد أن فشلت في فرض رؤيتها وشروط حليفتها على المفاوض الفلسطيني والمقاومة في غزة.

نفاق وازدواجية معايير

مع انسحاب الوفد الأميركي، من المفاوضات وانكشاف زيف وساطة ويتكوف، وتصريحاته التي حمل فيها حركة حماس المسؤولية عن انهيارها، تتكشّف عدة نتائج خطيرة:

-     انهيار الثقة في الوسيط الأميركي: تصريحات ويتكوف، المدعومة بخطاب ترامب، أكدت مجددًا أن الولايات المتحدة ليست طرفًا نزيهًا في المفاوضات، بل منحازة بالكامل لـ "إسرائيل"، وهذا الانكشاف يعمّق فقدان الثقة الفلسطينية في أي وساطة مستقبلية، ويُسقط ورقة "الحياد" التي طالما ادّعتها واشنطن.

-   تثبيت ازدواجية المعايير الأمريكية: تحميل حماس وحدها مسؤولية انهيار المفاوضات، في ظل تجاهل كامل للعدوان "الإسرائيلي"، والجرائم المتكررة بحق المدنيين في غزة، يكرّس النفاق الامريكي وازدواجية المعايير.

-      شرعنة العدوان واستمرار الحرب: من خلال هذا الخطاب المنحاز، تمنح الولايات المتحدة غطاءً سياسيًا لـ "إسرائيل" لمواصلة عدوانها، تحت ذريعة أن "الطرف الآخر يرفض الهدنة"، لتبرير الحرب أمام المجتمع الدولي بحجة تعنت حماس ورفضها، وتتحول المفاوضات إلى أداة لتعليق اللوم على المفاوض الفلسطيني، بينما يُمنح الاحتلال الوقت لتغيير الوقائع على الأرض، من خلال استكمال القتل والابادة والتجويع في غزة.

ان تصريحات دونالد ترامب لم تكن مجرد تقييم شخصي لانهيار مفاوضات التهدئة، بل كانت بمثابة شهادة غير مقصودة على فشل وزيف وساطة مبعوثه ويتكوف، وعلى الانحياز البنيوي الذي يجعل من الولايات المتحدة طرفًا في النزاع، لا وسيطًا له.

إن انسحاب الوفد الأميركي، وتحميل حماس مسئولية فشل المفاوضات دون أي محاسبة لـ "إسرائيل"، يكشف بشكل جلي أن ما كان يُسمّى "عملية تفاوض" لم تكن إلا غطاءً لاستمرار "إسرائيل" في الإبادة واطالة أمد الحرب وتعزيز سياسة القتل والتجويع.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة