مقاربة النموذج الكويتي والأردني لحماية المرأة من العنف الإلكتروني

محرر الأسرة

08 أكتوبر 2025

787


 

أشكر لمجلة «المجتمع» تناولها لهذا الموضوع الحيوي؛ وذلك لصلته بتحصين الأمن الفردي والمجتمعي وحفظاً لنعمة الأمن التي امتن الله تعالى على عباده بها وجعلها مرتبطة بعبادته؛ (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش: 3).

يشهد عالمنا الرقمي اليوم تحولاً خطيراً يهدد الأمن الفردي والمجتمعي على السواء، حيث أصبح الفضاء الإلكتروني ساحة تُستخدم لتنفيذ «العنف القائم على النوع الاجتماعي الميسَّر بالتكنولوجيا» (TFGBV)، هذا النوع من الإيذاء يمثل تهديداً متزايداً لخصوصية وكرامة المرأة العربية، سيما حين يتم تقصد صور النساء بالإساءة.

وهذا الخطر ليس تصرفاً فردياً، بل أشار مسؤولون في الأمن العام الأردني في تصريح منشور على موقع مكافحة الجرائم الإلكترونية بتاريخ 5 أكتوبر الجاري، إلى أن جزءاً منه يتم عبر شبكات منظمة عابرة للحدود تستهدف النساء والفتيات بغرض الابتزاز الإلكتروني المنظم، هذا التحدي الدولي يتطلب يقظة وطنية ورقابة أسرية ووعياً.

ويظل التأكيد على أن هذا العنف يتنافى بشكل قاطع مع قيمنا الأصيلة؛ فالمجتمع العربي والمسلم، انطلاقاً من تعاليم الشريعة، لا يقبل أبداً التشهير بالمرأة أو التعدي على عرضها وسمعتها، بل يعتبر حفظ العِرض والستر من أعظم الواجبات ومن مقاصد الشريعة العليا.

1- حجم الأزمة الرقمية ومؤشرات الخطر:

تؤكد الدراسات والأرقام أن هذا الخطر يُهدد نسيج مجتمعاتنا الخليجية والعربية:


المعلومة / الإحصائية

المصدر والتوثيق

%60

نسبة النساء اللواتي يستخدمن الإنترنت في الدول العربية تعرضن للعنف الرقمي(1).

تعرض مرتفع

دراسة ميدانية حديثة (2024) تؤكد أن المرأة الكويتية تتعرض للجرائم الإلكترونية بدرجة مرتفعة(2).

3 % فقط

نسبة النساء اللاتي يُبلِغن عن تعرضهن للعنف على الإنترنت، خوفاً من الوصم أو اللوم الاجتماعي(3).


أبرز أشكال الاعتداء تشمل جرائم الابتزاز الإلكتروني المنظم، والتشهير والتنمر، والتعدي على الخصوصية، وهي أفعال تتفق جميعها على هدف واحد؛ تقويض الثقة بالنفس وإسكات الأصوات النسائية.

2- الرفض الشرعي والاجتماعي للتشهير ولوم الضحية:

من منظور شرعي، فإن التشهير بالمرأة إلكترونياً شكل من أشكال القذف وإشاعة الفاحشة، التي جاءت النصوص الشرعية لتحرمها وتضع العقوبات الرادعة ضدها.

وهذا الوعيد الشديد يتجلى في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19)؛ ما يؤكد أن مجرد الرغبة في نشر السوء والقدح في الأعراض، ولو عبر الوسائط الرقمية، جرم عظيم ومفسدة كبرى في ميزان الشرع.

إن الخطر الأكبر لا يكمن في الجريمة التقنية فحسب، بل في التداعيات الاجتماعية والنفسية التي تؤدي إلى انسحاب المرأة وصمتها خوفاً من الفضيحة وثقافة لوم الضحية، وهي ثقافة تتنافى مع مبدأ التكافل الاجتماعي وتخالف جوهر الدين الذي أمر بنصرة المظلوم، كما أن الشريعة تُحَرِّمُ خذلان المظلوم، وتُلزِمُنا بالقيام لنصرته؛ وفي الحديث النبوي الشريف ما يؤكد هذه الأهمية القصوى لرفع الظلم عن الإنسان المظلوم ذكراً كان أو أنثى، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لن تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لا يُنالُ لِضَعيفِها حَقُّهُ غيْرَ مُتَعْتَعٍ» (رواه ابن ماجة، والترمذي بلفظ قريب، وأخرجه الألباني في صحيح الجامع)؛ أي لن تنال الأمة الخير والصلاح ما دام حق الضعيف لا يُؤخذ له بيسر ودون تردد أو خوف من التبعات.

3- جهود المكافحة المشتركة.. القانون وبناء المرونة:

تُقدم التجربتان الكويتية والأردنية مقاربتين متكاملتين يُشادُ بهما لمواجهة هذا التهديد؛ قوة القانون الكويتي، وبرامج الوقاية الأردنية.

أ- الإطار القانوني الكويتي (الردع والمساءلة):

تعتمد الكويت على إطار قانوني قوي يوفر الحماية من العنف الرقمي، حيث يكفل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم (63) لسنة 2015م(4) فرض عقوبات رادعة على الابتزاز والتشهير والتنصت غير المشروع، وتعمل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بوزارة الداخلية على استقبال جميع البلاغات بسرية تامة؛ ما يشجع الضحايا على الإبلاغ دون خوف من الوصم.

ب- مفهوم المرونة الرقمية والتعافي:

في مواجهة طبيعة الجريمة العابرة للحدود، برز مفهوم «المرونة الرقمية» (Digital Resilience)، وهو ليس مجرد الوقاية، بل القدرة على الصمود والتعافي السريع بعد التعرض للاعتداء الرقمي، بحيث تستطيع الضحية استئناف حياتها ونشاطها دون الانسحاب.

ويتحقق التعافي والتمكين عبر سبل رئيسة:

  • بناء الوعي الأمني المتقدم: تدريب الضحايا على مهارات الأمن السيبراني المتقدم لمواجهة الابتزاز وحماية الحسابات.
  • الدعم المتخصص: توفير دعم نفسي فوري ومستمر ومساندة قانونية متخصصة.
  • تسهيل الإبلاغ الآمن: تفعيل قنوات رسمية وسرية لكسر حاجز الخوف من الوصم.

جـ- النموذج الأردني لبناء المرونة (التطبيق العملي):

أدركت المؤسسات الأردنية، وعلى رأسها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، ضرورة بناء هذه المرونة، خاصة لتمكين القياديات والناشطات اللاتي يتعرضن لعنف ممنهج.

تم إطلاق «برنامج تعزيز المرونة الرقمية للقيادات النسائية»(5) لتزويد القياديات بأدوات متقدمة للسلامة الرقمية والقدرة على مواجهة التهديدات، هذا النموذج يبرز الدور الاستباقي للوقاية ويجب أن يُحتذى به إقليمياً.

د- الدور الأهلي والأسري في التوعية والحماية:

يقع على عاتق الأسرة والمجتمع المدني مسؤولية تأسيس خط دفاع أول لضمان الأمن الرقمي للأبناء، وذلك من خلال:

  • بناء جسور الثقة: ضرورة توعية الآباء بأهمية إشعار الأبناء بالحماية غير المشروطة، وتهيئة بيئة آمنة لعدم الخوف من اللجوء إلى الأهل فور التعرض لأي شكل من أشكال التهديد أو الابتزاز الإلكتروني.
  • قطع الطريق على المبتز: يجب أن يدرك الأبناء أن الخطر الحقيقي يكمن في الصمت والتكتم، الذي يستغله المبتز لتصعيد الضغط، وأن طلب المساعدة الأسرية الفورية الخطوة الأولى والأهم لإنهاء حلقة الابتزاز قبل استفحالها.

دور القيادة الدينية في حماية الكرامة

إن الدفاع عن المرأة ضد العنف الرقمي دفاع عن قيمنا الدينية والإنسانية، وإن تبني القيادات الإسلامية والدينية وعلماء الأمة لمثل هذه البرامج يمنحها دعماً أخلاقياً ومجتمعياً لا غنى عنه.

وعندما يقف المرجع الديني في الصف الأول لحماية المرأة من التهديد الرقمي، فإنه يرسخ إيمان المجتمع بأن الأمن الرقمي للمرأة جزء لا يتجزأ من أمنها الاجتماعي والشرعي، وأن حماية العفاف والكرامة واجب جماعي لا يسقط، وأن التشهير بالمرأة إلكترونياً انتهاك مرفوض شرعاً ومجتمعاً.

نسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ أبناءنا وبلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء، وأن يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا بفضله وكرمه.




________________

الهوامش:

(1) دراسات إقليمية حول العنف المبني على النوع الاجتماعي في الدول العربية.

(2) دراسة ميدانية حول الجرائم الإلكترونية الممارسة ضد المرأة الكويتية (2024).

(3) ملخصات نتائج دراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

(4) قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الكويتي رقم (63) لسنة 2015م.

(5) برنامج «تعزيز المرونة الرقمية للقيادات النسائية» في الأردن (نموذج إقليمي).

مراجع إضافية:

1- تقرير «العنف القائم على النوع الاجتماعي الميسّر بالتكنولوجيا»، هيئة الأمم المتحدة للمرأة وشركاؤها.

2- تقارير ومسوحات لمنظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث.


اقرأ أيضاً:

العنف الأسري جاهلية العصر

سرطان «التحرش الإلكتروني».. خارطة طريق للعلاج

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة