مكبات النفايات بين خيام النزوح كارثة بيئية في غزة
تعتبر مكبات
النفايات العشوائية من أكبر التحديات البيئية والصحية التي يعاني منها سكان غزة،
فهناك أكثر من ربع مليون طن من النفايات تتواجد داخل المناطق المأهولة بالنازحين
في مدينة غزة ومحيطها، حيث تحاصر هذه النفايات المواطنين من كافة الاتجاهات، بعد
رفض الاحتلال «الإسرائيلي» نقلها إلى المناطق المخصصة لها والبعيدة عن المناطق
السكانية.
مخيمات عشوائية
ودفعت عمليات
النزوح الجماعي إلى إنشاء المواطنين مخيمات على مساحات فارغة غير مهيأة للعيش
فيها، بعضها فوق أو بجانب مكبات النفايات، ويعود ذلك إلى غياب الخطط من قبل الجهات
الحكومية المختصة، وحاجة النازحين إلى إيجاد أماكن إيواء بدلاً من البقاء في
الشوارع والطرقات، أو حتى رفض الخروج من المناطق التي تشهد عمليات عسكرية فيها.
وكالة الغوث
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة، حذرت من تفشى الأمراض المعدية
نتيجة تكدس النفايات داخل مدينة غزة، ومنع الاحتلال «الإسرائيلي» ترحيلها إلى
المكبات الرئيسة شرق المدينة، يضاف إلى ذلك تسرب مياه الصرف الصحي بين خيام
النازحين، في مقابل ذلك أفادت بلدية غزة عن وجود 170 ألف طن من النفايات داخل عمق
مدينة غزة، حيث لجأت البلدية إلى تجميع النفايات في المساحات الفارغة داخل الأحياء
والمدن؛ نظراً لصعوبة الوصول إلى الأماكن المخصصة، عدا عن تدمير أكثر من 80% من
آليات البلدية.
في منطقة حي
اليرموك وسط مدينة غزة، حيث تشهد هذه المنطقة تجمعاً كبيراً للنفايات، التي يتم
نقلها من شوارع وأسواق المدينة، في حين يحيط هذا المكب 3 مخيمات كبرى للنازحين،
عدا عن ملاعب رياضية ملاصقة له أقيم بداخلها مخيمات، حيث يعاني النازحون من أوضاع
صحية ومعيشية صعبة، نتيجة تسرب الروائح الكريهة والحشرات بكافة أنواعها وأشكالها
إلى الخيام.
خيارات ضيقة أمام النازحين
المواطن النازح
أحمد رجب لم يجد مكاناً ليقيم عليه خيمته المهترئة، بسبب ضيق المساحات والركام
المنتشر في كل مناطق مدينة غزة إلا بجانب مساحة صغيرة فارغة بجانب أكوام النفايات
في ذات الحي، حيث أقامت مجموعة من العائلات النازحة خيامهم بالقرب من هذا التجمع.
يقول، في حديثه
لـ«المجتمع»: بعد أن بدأ الاحتلال عمليته البرية الموسعة على غزة مطلع سبتمبر
الماضي، طلب من سكان حي الشيخ رضوان وسط المدينة النزوح إلى جنوب قطاع غزة، وبالفعل
أجبرت على النزوح تحت القصف المكثف، وعندما توقفت الحرب، عدت فوجدت المنزل مدمراً،
وما كان لي حينها إلا البحث عن مكان يأوي أسرتي، فذهبت إلى أحد المخيمات القريبة
من تجمع للنفايات لعدم وجود بدائل أفضل.
ولفت إلى أنه يتمنى
الموت في كل لحظة يعيشها داخل الخيمة التي لا تقيه حرارة الصيف ولا برد الشتاء،
فهو لا يطيق الجلوس داخل الخيمة خلال ساعات النهار، نتيجة الحرارة المرتفعة
والذباب الذي يزعجه والروائح الكريهة المنبعثة من أكوام النفايات، بالإضافة إلى أن
انتشار الجرذان والبعوض ليلاً يؤرق نوم أسرته.
ظروف قاسية
أما السيدة أم
فريد درويش، وهي أرملة فقدت زوجها واثنين من أطفالها خلال قصف «إسرائيلي» على أحد
المنازل القريبة من بيتها بداية حرب الإبادة، تعيش في وضع لا يمكن وصفه، حيث أقامت
خيمة عبارة عن أخشاب محاطة بقطع من قماش مهترئ لتحمي أطفالها من البرد والبقاء
مشردين في الشوارع والطرقات، لكن تزداد حال السيدة سوءاً أكثر مع ذهاب أطفالها
يومياً للهو واللعب بالقرب من أكوام النفايات.
وتشير، في
حديثها لـ«المجتمع»، إلى أن أطفالها يعانون من أمراض جلدية معدية وخطيرة، نتيجة
البيئة الخطرة والملوثة التي تعيش فيها ولا تجد بديلاً أفضل، حيث تظهر على أجساد
أطفالها بقع حمراء لها رؤوس مدببة، ولم تجد علاجاً فعالاً لحالة أطفالها المرضية،
لعدم توفر أدوية، وانهيار المنظومة الصحية في غزة بشكل كامل.
وأعلن مستشفى
شهداء الأقصى وسط قطاع غزة عن تسجيل آلاف الحالات المرضية المصابة بالتهاب الكبد
الوبائي والأمراض الجلدية والتنفسية، الناتجة عن التلوث البيئي المحيط بالنازحين
والسكان، وانعدام النظافة لدى المواطنين بسبب شح المياه وانتشار القمامة ومياه
الصرف الصحي بين خيام النازحين، وعدم قدرة المواطنين على الحصول على مياه الشرب
النظيفة، حيث يناشد المستشفى بضرورة فتح المعابر بشكل عاجل، وتحويل ما يزيد على 10
آلاف حالة بحاجة إلى علاج سريع.
إصابات متزايدة ومعدية
يقول د. خليل
الدقران، رئيس قسم الكبد والجهاز الهضمي في مستشفى شهداء الأقصى: في كل يوم تصل
حالات مصابة بالتهاب حاد في الكبد والأمعاء في صفوف مواطنين غالبيتهم نازحون من
المخيمات، ويعيشون في ظروف بيئية صعبة وانعدام لكل مقومات السلامة الجسدية، حيث
يعيش غالبية النازحين المهجرين داخل مخيمات مكتظة، ويتشاركون دورات المياه وتحيط
بهم القاذورات من جميع الاتجاهات.
وبيَّن، في
حديثه لـ«المجتمع»، أن مخيمات النازحين في كافة أماكن تواجدها داخل قطاع غزة تفتقر
لأدنى مقومات السلامة والنظافة، حيث تخرج كميات كبيرة يوميًا من القمامة من داخل
تلك المخيمات، ويتم تجميعها بجانبها بسبب عدم قدرة البلديات على نقل النفايات
بعيداً، لعدم توفر مركبات نقل وشح الوقود المشغل لها، وبالتالي يذهب المواطنون نحو
تلك المكبات للبحث عن قطع النايلون والقماش والبلاستيك؛ وذلك لاستخدامها في إشعال
النار وطهي الطعام.
ويشير إلى أن استمرار
هذا الوضع يعني أن آلاف الحالات النازحة لا تهدد فقط بالقصف والتهجير، بل أيضاً
ببيئة ملوثة تهدد الصحة والسلامة، فحتى لو توقفت الحرب، فهذا لا يعني أن الخطر قد
زال عن السكان، بل أن تبعات الحرب البيئية تؤثر على السكان والنازحين وتهدد حياتهم،
فهناك أكثر من 70 ألف حالة مصابة بالتهاب الكبد الوبائي بحاجة إلى السفر للخارج
لتلقي العلاج، والاحتلال يمنع المرضى من حرية الخروج.
إمكانيات معدومة
في سياق ذلك،
قال رئيس بلدية غزة يحيى السراج: تعاني بلدية غزة من نقص كبير وحاد في المعدات
والآليات، كما تسببت الحرب في تدمير البنية التحتية وتدمير مسارات جمع النفايات؛ ما
أدى إلى تعطيل خدمات النظافة وتكدسها داخل الأحياء المأهولة بالسكان بشكل مؤقت.
وبيَّن، في
حديثه لـ«المجتمع»، أن الضغط السكاني المتزايد والتهجير الداخلي الكبير، وزيادة
عدد النازحين المقيمين داخل المخيمات المؤقتة، زاد من كمية النفايات التي تخرج من
داخل المخيمات؛ وبالتالي هناك صعوبة كبيرة في معالجتها ونقلها إلى أماكن بعيدة.
ولفت إلى أن طواقم
عمل البلدية تعمل في ظروف صعبة وخطيرة، حيث دمر الاحتلال عدداً كبيراً من المعدات،
كما يمنع الوصول إلى المكب الرئيس في منطقة جحر الديك شرق مدينة غزة؛ لذلك توجهنا
في البلدية إلى إنشاء مكبات بديلة ومؤقتة داخل المساحات الفارغة في غزة، وللأسف
هذه المساحات تم تقسيمها ما بين مخيمات للنازحين ومكبات مؤقتة للنفايات، ولا يوجد
أي خيارات أخرى في ظل الواقع الصعب الذي تمر به غزة.
وطالب السراج المجتمع
الدولي والمؤسسات الحقوقية الدولية، بالضغط العاجل على الاحتلال «الإسرائيلي» لوقف
الانتهاكات بحق سكان غزة، من خلال السماح بإدخال المعدات وحرية عمل القطاعات
التشغيلية كافة، وأهمها قطاع النظافة الذي يعتبر المسبب الثاني في قتل السكان بعد
الاحتلال.
اقرأ أيضاً: