منصة إذلال أم مركز إغاثة؟ قراءة في المخطط الصهيوأمريكي برفح

سيف باكير

28 مايو 2025

120

في مشهد يعكس أقسى صور الإذلال الجماعي، اندفع آلاف الفلسطينيين في جنوب قطاع غزة نحو ما قيل: إنه مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية، ليتحول المكان إلى ساحة فوضى وقهر، تُدار بآليات الاحتلال وتُبرمج بتقنيات أمريكية، لم يكن الحدث مجرد زحام على كيس طحين، بل محطة كاشفة لمخطط أوسع يُراد له أن يُمرّر تحت لافتة العمل الإنساني، بينما هو في جوهره إعادة هندسة للسيطرة، وتهميش للجهات الدولية، وتجريب لسياسات الإخضاع من بوابة الجوع.

ساعات قليلة كانت كافية لتكشف هشاشة هذا المخطط «الإسرائيلي»-الأمريكي، وتُسقط القناع عما وُصف بـ«المواقع الآمنة»، التي لم تكن سوى فخاخ أمنية محاطة بالكاميرات وأجهزة بصمة العين، ومن خلفها مشروع سياسي يحاول فرض وقائع جديدة في قطاع محاصر منذ أكثر من 17 عامًا.

ما حدث في رفح لم يكن مجرد فشل لوجستي، بل انهيار في الصورة والدعاية، وتحول سريع من مشهد دعائي مأمول إلى أزمة مكشوفة، دفعت المقاومة الفلسطينية للتحذير من النوايا الحقيقية، وأجبرت الإعلام «الإسرائيلي» نفسه على الاعتراف بفشل التجربة في مهدها.

ممرات مفخخة

وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس): إنّ ما جرى يؤكد فشل مخطط الاحتلال المشبوه، الذي استخدم غطاء المساعدات الإنسانية كأداة للسيطرة الأمنية، وتحويل مراكز التوزيع إلى فخ تُهدد حياة المدنيين، بدلاً من أن تكون ممرًا آمناً لتلبية حاجاتهم الأساسية.

وأوضحت الحركة، في بيان لها مساء أمس الثلاثاء، أن الخطة صُممت لتهميش دور الأمم المتحدة ووكالاتها، وتكريس أهداف الاحتلال السياسية والعسكرية، في خرق صارخ للقانون الإنساني الدولي.

وأضافت أن ما يُسمّى بـ«مواقع التوزيع الآمن» لا تعدو كونها ممرات مفخخة تُستخدم لإذلال المحتاجين وابتزازهم، بينما تُمنع المساعدات من الوصول عبر المعابر الرسمية.

ودعت «حماس» الأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية إلى تحرك عاجل لوقف هذا المخطط، والضغط على الاحتلال لفتح المعابر وتمكين الجهات الإنسانية المعترف بها من إيصال المساعدات وفق الأطر الدولية.

من جانبها، وصفت الأمم المتحدة مشاهد اقتحام مركز المساعدات الأمريكية في رفح بـ«المفجعة»، وقال المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك: إن الوضع يتطلب توسيعاً فورياً للعمليات الإنسانية وفتح كافة معابر غزة أمام المساعدات والسلع التجارية.

فيما شدد وكيل الأمين العام توم فليتشر على أن التأخير لم يعد مقبولاً: نملك الإمدادات والخطط، ودعونا نعمل دون عوائق.





فشل مخطط التهجير

التحليل السياسي للواقعة كشف كذلك زيف المخطط «الإسرائيلي»-الأمريكي، إذ أكد المحلل السياسي أحمد الحيلة أن ما جرى في رفح يعكس فشل الاحتلال في فرض سلطة بديلة عبر احتكار توزيع المساعدات من خلال شركة أمريكية مشبوهة تأسست حديثاً في سويسرا، ويديرها ضباط سابقون بلا خبرة إنسانية.

واعتبر الحيلة، في تغريدة عبر حسابه على منصة «إكس»، أن هذا الفشل يمثل أول تعثر حقيقي في سيناريو تهجير الفلسطينيين، عبر تجميعهم في رفح على الحدود مع مصر، في ظل وعي شعبي يتحدى محاولات الإخضاع رغم الكارثة الإنسانية.

أما الباحث في الشأن السياسي والإستراتيجي سعيد زياد، فاعتبر الآلية «الإسرائيلية» الجديدة وسيلة إذلال لا توزيع، وقال: إن ما يجري يهدف إلى تكريس الاحتلال لا إلى إغاثة المنكوبين.

قال الباحث الفلسطيني علي أبو رزق: إن اليوم الأول لتوزيع المساعدات عبر المؤسسة «الإسرائيلية»-الأمريكية شهد تطورات خطيرة، تعكس حجم التخبط والارتباك الذي رافق تنفيذ هذه الآلية المشبوهة.

وأوضح أن البداية كانت مع وصول رسائل نصية إلى هواتف عدد من المواطنين، تدعوهم لاستلام المساعدات في ساعات الظهيرة، فتوجه العشرات –وربما المئات– من المجوّعين إلى الموقع، في محاولة استكشافية لفهم طبيعة التوزيع.

وفيما بثّت وسائل إعلام الاحتلال لقطات تُظهر طوابير صغيرة لا يتجاوز عدد الواقفين فيها ألف شخص، بدأت الأحاديث تنتشر بين الأهالي عن غياب التنظيم أو تعمّد الإيحاء بعدمه؛ ما دفع الآلاف إلى الهرولة نحو الموقع، في ظل حصار مشدد وتجويع ممنهج منذ أكثر من 85 يومًا.

وأضاف أبو رزق أن المشهد سرعان ما تحول إلى كارثة إنسانية، حيث وقف الناس بأعداد ضخمة تحت الشمس الحارقة، في طوابير تفتقر للكرامة؛ ما أدى إلى تدافع جماعي واقتحام موقع التوزيع، بعدما شعروا بالإذلال المقصود في طريقة المعاملة.

وأكد عدد من شهود العيان أن المواطنين لم يكتفوا بالاستيلاء على المساعدات، بل قاموا بتفكيك نقطة التوزيع بالكامل، ومحاصرة طاقم المؤسسة الأمريكية والمتعاونين معها، إلى أن تدخل الطيران المروحي «الإسرائيلي» لتفريق الجموع.

وأشار أبو رزق إلى أن الإعلام «الإسرائيلي»، الذي احتفى في البداية بالمشهد واعتبره نجاحًا للآلية، عاد لاحقًا ليوجه انتقادات حادة للمسؤولين، واصفًا ما جرى بالفشل الذريع منذ اليوم الأول.

واستشهد بخبر بثّته «القناة 12» العبرية، جاء فيه حرفيًا أن الغزيين استولوا على الكراسي والطاولات وأجهزة الفحص وأجهزة بصمة العين في الموقع، في مشهد يعكس انهيار السيطرة «الإسرائيلية» على العملية برمتها.

وختم الباحث بالقول: ما حدث اليوم قد يشكّل خطوة أولى في إفشال هذا المخطط الخبيث، رغم أنه من المبكر الجزم بانهياره الكامل، لكن المؤشرات الأولية لا تبشر بنجاحه.

وسط هذا المشهد الصادم، تتكشف خيوط مخطط ممنهج: خنق كامل لغزة، وتحويل الجوع إلى أداة إذلال، والمساعدات إلى فخاخ سياسية، وبينما تتعالى الأصوات الغاضبة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيتحرك العالم قبل أن تتحول رفح إلى مقبرة إنسانية جديدة؟

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة