من الكتاتيب إلى قاعات الجامعات.. رحلة التعليم في الكويت عبر العصور

يُعدّ التعليم
ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة، بل هو حجر الزاوية في مسيرة التنمية
والتقدم، وفي الكويت، أثبتت حكوماتها المتعاقبة التزامها بالتعليم من خلال ضمانه كحق
لكل مواطن، وبدءاً من الكتاتيب إلى التعليم النظامي، شهدت البلاد تحولات جذرية
انعكست في ارتفاع معدلات محو الأمية ونشر التعليم في أوسع نطاق، وسنستعرض هنا أبرز
المحطات التي تمخض عنها هذا التطور.
1- المرحلة الأولى: مرحلة الكتاتيب وما قبل التعليم النظامي (حتى 1911م):
الكتاتيب كانت
النواة الأولى للتعليم في الكويت؛ حيث تلقى الطلاب فيها تعليم القرآن الكريم،
واللغة العربية، ومبادئ الحساب، غالباً بأساليب تقليدية.
ومن بين
المعلمين الأوائل الشيخ محمد بن فيروز (توفي عام 1723م)، وعبدالجليل الطبطبائي (توفي
عام 1854م)، كما ظهرت أول الكتاتيب في أواخر القرن التاسع عشر، وقد عرفت مسيرة
المرأة الكويتية في التعليم مثل شريفة حسين العلي (ولدت عام 1831م).
2- التعليم النظامي: من المدرسة المباركية إلى التعليم الحكومي (1911 – 1936م):
كانت المدرسة
المباركية (1911م) أول مدرسة نظامية في الكويت، وأنشئت بمبادرة محلية على يد الشيخ
مبارك الصباح، وكانت نقطة انطلاق التعليم الرسمي.
وفي عام 1921م،
تأسست المدرسة الأحمدية، التي أتاحت منهاجاً يشمل اللغة الإنجليزية والعلوم
الحديثة، في حين تأسست أول مدرسة للبنات بعد ذلك بقليل.
وتحوّل التعليم
لاحقاً إلى إدارة الدولة عام 1936م، عندما ضمّت وزارة المعارف –فيما بعد وزارة
التربية– المدارس الرسمية.
3- بناء القدرات: تأهيل المعلمين وبعثات وبداية المرأة في التعليم (1930 – 1950م):
في عام 1937م،
أصبحت مريم عبدالملك الصالح أول موظفة كويتية في وزارة التربية، وأول مدرِّسة
كويتية.
وأُرسلت بعثات
تعليمية إلى بغداد عام 1938م، ثم إلى الأزهر بالقاهرة عام 1939م لتأهيل معلمين
كويتيين، وتخرجت أولى المعلمات في عام 1944م، مثل نورية السيف، وأنيسة الجندل،
وغيرهما.
وفي عام 1949م،
أُنشئ فصل داخل المدرسة المباركية لتأهيل المعلمين، ثم في عام 1950 – 1951م، وُجد
تدريب إضافي في بيروت، لكن المعهد أُغلق لضعف الإقبال، وأُعيد افتتاحه لاحقاً ضمن
إطار وزارة التربية عام 1961م.
4- تقرير تطوير التعليم عام 1955م.. خارطة طريق وطنية:
بين عامي 1954 و1955،
دعا عبدالعزيز حسين، مدير المعارف، خبيرين عربيين؛ د. متى عقراوي، وإسماعيل
القباني، لإعداد تقرير شامل بعنوان «تقرير عن التعليم في الكويت» (16 مارس 1955م)،
وهو أول خطة تربوية منهجية.
وقد ركّز
التقرير على أهداف مثل محو الأمية، وتعزيز المواطنة، والديمقراطية والابتكار، وجعل
التعليم إلزامياً حتى 14 عاماً، ومؤسسة ومجانية بغض النظر عن الجنسية.
كما اقترح مراحل
تعليمية متكاملة؛ ابتدائية، ومتوسطة، وثانوية (كلها 4 سنوات)، فضلاً عن رياض أطفال
للفئة العمرية من 4 إلى 6 سنوات.
5- ازدهار التعليم بعد اكتشاف النفط والاستقلال (1950 – 1970م):
مع اكتشاف النفط
عام 1938م، واستقلال الدولة عام 1961م، توسّعت المدارس الحكومية بشكل ملحوظ؛ فبحلول
عام 1945م، بلغ عدد المدارس 17 مدرسة، ومع دخول الستينيات، زاد عدد الطلاب إلى 45
ألفاً، منهم 18 ألفاً من البنات.
وبلغت محو
الأمية نحو 50% عند الاستقلال، وتقدّمت لتتجاوز 72% عام 1975م، ثم 94% عام 2005م،
ووصلت إلى 96.1% عام 2018م، وفي 1965م، تم جعل التعليم إلزامياً للأطفال بين 6 و14
عاماً وفق الدستور.
6- التعليم العالي: جامعة الكويت ومسيرة جامعية وطنية (1966م وما بعده):
افتتحت جامعة
الكويت رسمياً في أكتوبر 1966م، بوصفها أول مؤسسة تعليم عالٍ حكومية، وشملت كليات
للعلوم، والآداب، والتربية، وكلية للنساء.
وشهدت الجامعة
نمواً من نقاط انطلاق صغيرة إلى أكثر من 17 كلية، وقبول نحو 40 ألف طالب، مع
توسعات في المباني الجامعية إلى مدينة صباح السالم الجامعية عام 2019م.
وفي عام 1982م،
تأسّست الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (PAAET) لرفع
القدرات الفنية واليد العاملة، خصوصاً لدعم التوسع الصناعي.
ومع مطلع
الألفية، عام 2000م، أنشئت الجامعة العربية المفتوحة في الكويت لتوسيع نطاق
التعليم المفتوح بنهج مرن وشراكة مع الجامعة المفتوحة البريطانية.
وفي عام 2002م،
تأسست الجامعة الخليجية للعلوم والتكنولوجيا (GUST) كأول جامعة
خاصة، بشراكة مع جامعة ميزوري–سانت لويس، وبدأت الدراسة عام 2002–2003م.
7- مطلع القرن الحادي والعشرين.. إصلاح جوهري وتوجه مستقبلي:
أُلقي بظلال
إصلاح شامل على التعليم الوطني من خلال برنامج الإصلاح المتكامل للتعليم بالشراكة
مع البنك الدولي، بدءاً من عام 2010 حتى عام 2020م، في مرحلتين؛ مع التركيز على
المناهج، ونتائج التعلم، والقيادة المدرسية، وتطوير السياسات التعليمية.
وفي عام 2008م،
انعقد «المؤتمر الوطني لتطوير التعليم» لتنسيق الأهداف والاستفادة من المؤسسات
العالمية كمجلس التعاون، و«OECD»، في تحسين بيئة التعليم ودعم المرأة
والمشاريع التنموية.
وها هو التعليم
اليوم يُرسم ضمن «رؤية الكويت 2035م»، حيث يُعد تطوير التعليم جزءاً من التحوّل
نحو اقتصاد معرفي وتنمية بشرية مستدامة.
وقد ظهرت شخصيات بارزة في مسيرة التعليم، أبرزها لولوة القطامي؛ وهي أول كويتية تدرس في الخارج، ومديرة سابقة لجامعة الكويت، وسفيرة «اليونسكو»، ومرشحة لجائزة نوبل للسلام عام 2005م، وحاصلة على وسام جوقة الشرف الفرنسية عام 2019م، وقد أدت دوراً محورياً في تعزيز دور المرأة في التعليم وتطوير المناهج والمجتمع المدني.
أبرز المحطات الزمنية في مسيرة التعليم
المرحلة | الحدث المحوري | السنة |
الكتاتيب التقليدية | تعليم القرآن والحساب | |
أول مدرسة نظامية | المدرسة المباركية | 1911 |
مدرسة الأحمدية (ابتدائيات البنات والمناهج الحديثة) | 1921 | |
نقل الإدارة التعليمية للدولة | 1936 | |
أول موظفة ومدرِّسة مريم عبد الملك الصالح | 1937 | |
بعثات تعليمية وتخطيط تربوي مسبق | 1938–1955 | |
تقرير تطوير التعليم (عقراوي والقباني) | 1955 | |
استقلال وتوسع تعليمي | 1961–1975 | |
التعليم الإلزامي والمحو الكامل للأمية تقريبًا | 1965–2005 | |
بداية التعليم العالي الرسمي | الجامعة الكويتية (1966) | |
تعليم تطبيقي وتقني (PAAET) | 1982 | |
جامعة خاصة – الجامعة الخليجية | 2002 | |
إصلاحات وتخطيط استراتيجي | 2008–2020 | |
دعم المرأة والتعليم المفتوح | لولوة القطامي، الجامعة العربية المفتوحة |
لقد شهد التعليم
في الكويت رحلة تحوّل ملهمة، من الكتاتيب إلى تأسيس منظومة تعليمية متكاملة تشمل
التعليم العام، والفني، والعالي، والخاص، وساهمت الدولة، والهيئات التعليمية،
والشخصيات التربوية الرائدة في بناء بنيان معرفي قوي، أسهم في رفع مستوى محو
الأمية، وتعزيز مكانة المرأة، وإعداد جيش من المتعلمين القادرين على مواكبة
المتغيرات محلياً وعالمياً.