من ديوان مروان حديد تعلم الثوار كيف يحققون النصر (2 - 2)
أسهم مروان حديد بشعره في صياغة الوجدان الإسلامي، وأفضل الشعر ما يغنيه الأحرار في ميادين الجهاد والثورة، ويطلق خيالهم لتحقيق النصر على الاحتلال والاستبداد.
ولقد صاغ حديد شعره ليغنيه الشباب، فالنشيد هو الشكل التراثي العربي الذي أسهم في مسيرة الأمة عبر العصور، وعبر من التزامها بأن يكون الشعر والغناء والفن من أجل الحياة والحرية والكفاح، وليس من أجل التسلية.
لهيب الحب للشهادة!
يقول سعيد حوى في مقدمة الديوان: لئن كان البعض حريصًا على تصفية هذه الثورة؛ فإن لهيب الحب للشهادة، ولهيب الكلمة الصادقة؛ سيحرق هؤلاء وأمثالهم؛ ويلقي بهم حيث تستأهله ذلتهم وجبنهم، وستبقي الثورة الإسلامية في سورية مستمرة حتى يأذن الله بنصره.. فالشعر عند حديد إلهامات تتدفق، وفيوضات تتفجر بها قلبه، وهو يخاطب أمة غلب عليها اليأس والاستسلام؛ فهل كان حديد شعلة وانطفأت، كما ظن أعداؤه والحاقدون عليه؟! إن هؤلاء جميعًا واهمون؛ فعندما يصبح إنسان ضمير مرحلة، ويتكلم عن واجب أمة، ويقدم حياته ثمناً لرسالة؛ فإن كل سدود الأرض لا تستطيع أن تحبس حمم براكينه.
وأنا أرى أن الثورة السورية قدمت إجابتها المبدعة عن سؤال حوى، وأوضحت للعالم أن شعلة حديد ازدادت توهجاً، وسيسير الأحرار على هداها لتحرير الأرض والإنسان.
تحليل مضمون الديوان
الدراسة التحليلية لمضمون ديوان شعر حديد توضح ما يلي:
1- الاعتزاز بالإسلام عقيدة وعبادة وأخلاقًا وجهادًا وثقافة؛ وقد عبر عن هذا المعني في الكثير من قصائده وأناشيده؛ ما يؤكد أنه يريد ترسيخ هذا المعنى في القلوب، وسأكتفي هنا بعرض مثال واحد يؤكد فيه أن المؤمن يعيش كريمًا أبيًا، وأن الطغاة مثل الذئاب يهربون من المواجهة، فهل يفسر ذلك ما حدث عندما هرب جيش بشار الطاغية أمام الثوار؟!
ونعم الحياة حياة التقاة يعيشون دوماً كراماً أباة
وفي يوم سلم تراهم هداة وعند القتال أسود كماة
وأما الطغاة فمثل الذئاب عواء كريه وظفر وناب
تذل الشعوب تثير المفاتن تهرب لما تلاقي الحراب
2- مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والتعبير عن أشواق قلوب المؤمنين للقائه، فكل المنتمين للحركة الإسلامية يذكرون ذلك النشيد الذي طالما غنوه في الليالي الإيمانية، الذي يقول في مطلعه:
أحزان قلبي لا تزول حتى أبشر بالقبول
وأرى كتابي باليمين وتقر عيني بالرسول
3- الاعتزاز بالدعوة الإسلامية التي ينضم لها الكرام طلباً لرضاء الله؛ لذلك يحدد حديد شروط الانضمام لها:
في صفنا لا نقبل إلا كريماً يعمل
ومقاتلاً أو راغباً في حب رب يقتل
بحماسة يتدفق باب الشهادة يطرق
كما يحدد أهداف الدعوة:
أهداف دعوتي توحيد أمتي
تطهير أرضنا بناء دولتي
4- الربط بين العبادة والجهاد؛ من أهم ما يميز شعر حديد أنه يربط بين العبادة والجهاد؛ حيث يقول في نشيد يغنيه شباب الحركة الإسلامية:
أخي قم نناج الغفور الرحيم بجوف الظلام لكي نستقيم
ونتبع أمر الإله العظيم وهدي صراط النبي الكريم
أخي قم وحطم رؤوس الطغاة وشرد جموعهم والعصاة
ولاحق فلول اليهود الغزاة بجند كريم شداد أباة
كما أنه يعبر عن هذا المعني كثيراً في شعره؛ حيث يقول:
عبدت الله في سري وجهري وأسلمت المليك قياد أمري
وأعلنت الجهاد لنصر ديني وحاربت الطغاة طوال عمري
وربي كان في سجني أنيسي وعوني في مقارعة الخسيس
لرب العرش قدمت اعتذاري عن التقصير ليلي مع نهاري
وأرجو الله يقبلني شهيدًا ويمحو قصد ذنبي واضطراري
5- تمجيد الشهادة والشهداء؛ فالحديث عن الشهادة يحتل جل ديوانه، وهو يعبر عن شوقه لها، وهو يتوقع أن يموت شهيدًا؛ حيث يقول:
لست أدري أي يوم أي أرض سوف أرسي
كل ما أدريه أني فاقد يوماً لرأسي
في قتال أو بشنق في سلاح أو بدهس
لست أخشى من عدو من شياطين وإنس
طالما أرضي إلهي في ثبات حين بأس
يوم ألقي وجه ربي يوم سعدي يوم عرسي
هذا المعني يتكرر في شعره بأساليب مختلفة؛ وهذا يثبت أن الشهادة تشكل غايته؛ حيث يقول:
قتلنا في الله أشهي من عبير ورحيق
ربنا رب رحيم دائماً خير شفوق
قد دعانا لقتال فيه إرجاع الحقوق
كما يرى أن الغاية هي إرضاء الله:
رضاء الله غاية كل حر وغايتنا الشهادة والنضال
6- وعندما ينال الشهادة يطالب إخوانه بعدم الحزن عليه:
لا تحزننا يا إخوتي إني شهيد المحنة
يا فرحتي بمنيتي اليوم أنهي غربتي
وكرامتي بشهادتي هي فرحتي ومسرتي
ولئن صرعت فذا دمي يوم القيامة آيتي
وسلامتي في وقفتي يوم الوغي بشجاعتي
نصراً لديني والدما بشرى بقرب شهادة
آجالنا محدودة ولقاؤنا في الجنة
شاعر الشهادة
حديد هو أهم شاعر غنى للشهادة، وابتكر الكثير من المعاني التي تجعل نفوس المؤمنين تتوق إليها، وتتطلع للفوز بها، وهذا يوضح أن ثقافتنا تتميز عن الثقافات الأخرى في تحديد غايات الإنسان وأهداف حياته.
يمكن أن نجد دليلاً على ذلك في شعر حديد حيث يقول:
الحور تهتف بهجة: زف الشهيد والحور تأبي أن تزف إلى البليد
بالروح نفدي ديننا ورسوله والدين ينصر بالدماء وبالحديد
لن نستكين ولن نلين لحاكم بالكفر يحكم شعبنا حكم العبيد
قرآننا سيعود رغم أنوفهم راياته خفاقة فوق الصعيد
سنطهر الأرض التي قد باعها حكامها من كل جبار عنيد
ونقيم حكم الله في أرجائها كي نتقي بدمائنا يوم الوعيد
دستورنا قرآننا أكرم به من دونه يوم الوغي حبل الوريد
وحياتنا لا نرتضي إن لم تكن في عزة للحر فيها ما يريد
بلاغة الصدق
القراءة المتعمقة لديوان حديد توضح أنه لا يهتم بالبلاغة، ولا بإنتاج الصور الجديدة، لكنه ابتكر بلاغة الصدق حيث يتدفق الشعر من القلب ويعبر عن مشاعر إنسانية في لحظات انفعال، وهذا ما حول كلماته إلى أناشيد يغنيها الأحرار في ميادين الجهاد.
ومن المؤكد أن الديوان لا يضم سوى القليل من قصائده التي كتبها باللغة العربية الفصحى، وأنه في سنوات سجنه قد غنى كثيراً للحرية، لكن تلك القصائد لم تصل إلينا، ولعل الثورة تفتح الأبواب لنشر تراث الحرية وأغاني الأحرار.