من شروط التوبة

الشرط
الأول: الإخلاص لله:
أن يخلص العبد
في توبته، فيقلع عن الذنب لأنه ذنب ومعصية لله؛ لا لأن الخلق يرونه، بل خوفاً من
عقاب الله، يقوم بالواجب لا لأن الخلق يرونه فيمدحونه ولكن لأن ذلك في رضا الله،
فالإخلاص لله -عز وجل- أهم أركان وأهم شروط التوبة، لو تاب الإنسان خوفاً من
السلطان أتصح توبته؟ لا، (تُوبُوا إِلَى اللَّه) (التحريم:8) أي: توبوا إلى الله
لا إلى غيره (تَوْبَةً نَصُوحاً) (التحريم:8) اللهم حقق لنا الإخلاص.
الشرط
الثاني: الندم على ما فات:
أن يندم على ما
فعل من الذنوب، لا بد أن يكون للذنب عنده انكسار وخجل من الله -عز وجل- وخشية منه؛
فيتأسف يقول: يا ليتني لم أفعل، ولكن يقلع عن الذنب، لا بد من الندم، فلا تصح
التوبة والإنسان في قلبه أن الذنب وعدمه سواء، ولكن اندم كأن شيئاً محبوباً إليك
فاتك، أو كأن شيئاً حصل عليك وأنت تكرهه، اندم على ما مر من الذنب.
الشرط
الثالث: الإقلاع عن الذنب في الحال:
أن يقلع عن
الذنب، إن كان معصية فليبتعد عنها، إن كان إخلالاً بطاعة فليقم بها، فلنضرب لهذا
مثلاً: رجل علم أن غيبة الناس حرام، والغيبة: هي ذكر معائب الناس، وذكرك أخاك بما
يكره، علم أن هذا حرام، بل هو من كبائر الذنوب على ما نص عليه إمام أهل السنة أحمد
بن حنبل -رحمه الله-، فعزم على أن يتوب، ندم على ما فعل، لكن مع ذلك متى حصلت له
فرصة في الغيبة اغتاب الناس، فهل تقولون: إن هذا صحت توبته؟ لا، فلا بد أن يقلع في
الحال، رجل آخر ترك صلاة جماعة مع قدرته على الجماعة، وقال: إنه تائب. ولكنه ما
زال يدع صلاة الجماعة، أتقولون إن توبته صحيحة؟ لا، لماذا؟ لأنه لم يقلع عن الذنب،
ومصر على ألا يصلي، كيف التوبة من شيء أنت مصر عليه؟! رجل ثالث كان يتعامل بالغش؛
لأنه صاحب معرض أو صاحب بسطة بطيخ أو غيره، فوبخته نفسه ذات يوم فقال: إني تبت من
الغش والخيانة، لكن ما زال يغش، أتصح توبته؟ لا، لا تصح توبته، فلا بد أن يقلع،
رجل رابع كان جاره يتأذى منه، يسمع أصواتاً تؤذيه إما أغاني في مسجل أو راديو أو
تليفزيون أو غيرها، والجار يتأذى من هذه الأغاني أولاً: لأنها معصية لله -عز وجل-،
ثانياً: لأنها تقلق راحته، فقال له: يا أخي، يا جاري! آذيتني بهذا، فلما علم أن
جاره يتأذى قال: الآن أتوب إلى الله، ولكنه مصر على ذلك، لم يوقفه ساعةً واحدة في
غير ما جرت به العادة، فهل هذا تائب؟ لا، هذا ليس بتائب، لا بد أن يقلع عن الذنب
وإلا فلا توبة له.
الشرط
الرابع: أن يعزم على ألا يعود:
يعني: أن يعزم
في نفسه على أنه لا يعود للذنب، ويجعل بينه وبين نفسه عهداً قائماً ألا يعود إلى
هذا الذنب، واستمر في قلبه على أنه متى سنحت له الفرصة عاد إليه، فهل تصح توبته؟
لا، لأنه ما عزم ألا يعود، هو في نفسه تركه الآن لكنه ليس عنده عزيمة على ألا يعود
فلا تصح توبته.
الشرط
الخامس وهو أشدها: أن تكون التوبة في الوقت الذي تقبل فيه التوبة:
لأنه ليس كل وقت
تقبل فيه التوبة، وهنا وقتان لا تقبل فيهما التوبة، جاء ذكرهما في القرآن، أما
الأول: فإذا حضر الإنسان الموت فإنها لا تقبل توبته؛ لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (النساء:18) ليس هذا محل التوبة، إذا شاهدت
الموت وعرفت أنك مفارق الدنيا قلت: تبت الآن، ما ينبغي، ولما أدرك فرعون الغرق في
البحر قال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو
إِسْرائيلَ) (يونس:90) فآمن، فقيل له: (آلْآنَ تؤمن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:91) أي: لا يقبل منك، ولهذا قال الله فيه: (يَقْدُمُ
قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) (هود:98) كأنك تشاهد رجلاً
يمشي أمام قومه يهديهم إلى النار والعياذ بالله، وهو يقول لهم في الدنيا: (مَا
أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29)
هذا السبيل الذي يهديهم إليه، هداهم إلى النار والعياذ بالله.
هذا الوقت
الأول، إذا حضر الإنسان أجله فإن التوبة لا تنفعه، ولو سألت كل أحد منكم: هل
تعلمون متى يحضر الأجل؟ لقلتم على لسان واحد: لا نعلم، ومن ادعى أنه يعلم فهو
كاذب، وإذا كان كذلك كان وجوب التوبة على الفور؛ لأنك لا تدري أيها الإنسان، فإن
كان عليك حق لأحد فبادر بوفائه، إن كان هناك شيء مقصر فيه: زكاة مال ما أخرجتها،
كفارة يمين ما أخرجتها، كفارة ظهار، كفارة وطء في رمضان، أو غير ذلك فأخرجها، دين
عليك ما قضيته فاقضه، فكم من إنسان عنده أموال كثيرة وعليه ديون ولم يقضها، فمات
فجعل الورثة يلعبون بماله ونسوا الحق الذي نفسه معلقة به، فأد ما عليك قبل أن يفوت
الأوان.
أما الوقت
الثاني: فهو إذا طلعت الشمس من مغربها، الشمس الآن كل من يشاهدها تطلع من المشرق
وتغرب من المغرب منذ سخرها العزيز العليم عز وجل إلى أن يأذن بخراب العالم، وهي
على سيرها، سبحان الله! لا تختلف ولا تزل عنه، ولا تسرع أكثر مما سبق، ولا تتباطأ
أكثر مما سبق، ولا تطلع في الشتاء في مطلع الصيف، ولا في الصيف في مطلع الشتاء، بل
هي بإذن الله مستمرة على أحسن نظام، فإذا أراد الله تعالى فناء العالم فإن الله
يأمرها فتخرج من المغرب، سبحان الله! الشمس التي دائماً تطلع من المشرق تطلع من
المغرب!
من يقدر على
هذا؟ الله عز وجل، لا يقدر غيره أحد، ولهذا لما سأل الصحابة رضي الله عنهم رسول
الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند قوله تعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) (الإسراء:97) قالوا: يا رسول الله! كيف
يحشر على وجهه؟ قال: «الذي أمشاه في الدنيا على قدميه يمشيه يوم القيامة على وجهه»
الله أكبر! فالذي سخر الشمس أن تطلع من مطلعها شرقاً يسخرها أن تطلع من مغربها
غرباً، إذا طلعت الشمس يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «إذا رآها الناس آمنوا
أجمعون» كلهم يؤمنون، الكافر منهم والمؤمن، ولكن هل الكافر ينفع الإيمان؟ (لا
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) (الأنعام: 158).
كل نفس لم تؤمن
من قبل أو تكسب في إيمانها خيراً، فإنه لا ينفعها ذلك بعد طلوع الشمس من مغربها؛
ولهذا جاء في الحديث: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى
تخرج الشمس من مغربها» فيا أخي يا عبد الله! فكر في نفسك، فكر فيما أنت مقصر فيه،
أنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمكان، فكر في حق الله: هل ضيعته؟ هل فرطت فيه؟ هل حصل
في قلبك رياء؟ هل حصل في قلبك عجب؟ هل حصل في قلبك كراهة للمؤمنين أو حب للكافرين
أو إيثار للدنيا على الآخرة؟ أشياء كثيرة، سبل عظيمة، فتن كبرى نسأل الله أن
يعصمنا وإياكم منها.
داو قلبك، إذا
كنت تداوي قلبك في اليوم مرتين أو ثلاثاً، وتأكل الحبوب للشفاء في اليوم مرتين أو
ثلاثاً فداو القلب، ارجع للقلب، لا يمت قلبك، لا يقس قلبك ما دام الأمر بيدك،
ووالله إن فناء الجسم أهون من فناء الدين؛ ولذلك الذين عرفوا الحقيقة أفنوا أنفسهم
في دين الله -عز وجل-، يعرضون رقابهم لسيوف الأعداء؛ كل ذلك إقامة لدين الله،
وإعلاءً لكلمة الله، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
المهم يا
إخواني! أدعو نفسي أولاً وأدعوكم ثانياً إلى تفقد القلوب، وإلى صقلها ودوائها؛ قبل
أن يرين عليها ما كسبت فيطبع عليها والعياذ بالله، أسأل الله لي ولكم الهداية
والتوفيق لما يحب ويرضى.
______________________
المصدر: الموقع
الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.