من ضحية ابتزاز إلى قاتلة!

سمير محمد

03 نوفمبر 2025

275

هزت اليمن قبل فترة جريمة مروّعة تمزج بين الابتزاز الإلكتروني والعنف الأسري والقتل، وتكشف عن الوجه المظلم لوسائل التواصل الاجتماعي حين تتحول إلى أدوات دمار للحياة الخاصة.

بدأت القصة حين استقلت «م. خ»، البالغة من العمر 24 عامًا، سيارة أجرة يقودها «ي. ا»، استغل الأخير الموقف للحصول على رقم هاتفها، ثم بدأ بمراسلتها تحت ذرائع ودّية قبل أن يقع ما هو أخطر؛ شبكة ابتزاز ممنهجة انتهت بمأساة.

بعد فترة، سافرت «م. خ» إلى السعودية للالتحاق بزوجها «إ. ع» ومعها طفل وطفلة، معتقدة أن الابتزاز انتهى، لكن المبتز واصل ملاحقتها بالتهديدات، طالبها بالبقاء على تواصل معه وإرسال مبالغ مالية بحجة إصلاح سيارته، ثم استغل محادثات وصورًا خاصة ليرغمها على الخضوع، وعندما فقدت الأمل في توقفه، واجهته بعبارة: افعل ما شئت وانشر ما شئت، فقام بنشر المحادثات والصور عبر «فيسبوك»، لتشتعل فضيحة واسعة وصلت إلى زوجها المغترب.

الزوج لم يتحمل الصدمة، فاعتدى عليها بالضرب، وطلّقها وطردها من المنزل، فيما رفضت أسرتها استقبالها، انهارت منال نفسيًا واجتماعيًا، وبلغت حدّ الانفجار، وفي لحظة يأسٍ انتقامي سكبت الزيت المغلي على زوجها وهو نائم، فأُصيب بحروق قاتلة أودت بحياته، لتتحول من ضحية ابتزاز إلى قاتلة تواجه مصيرًا مأساويًا، وفق صحف يمنية وسعودية.

القتل العمد

اليوم، «م. خ» تقبع في أحد سجون السعودية، حيث تُحاكم بتهمة القتل العمد باستخدام مادة حارقة، وهي جريمة تُعاقب عليها الشريعة الإسلامية المعمول بها في المملكة بالإعدام أو القصاص، ويمكن أن تخفف العقوبة في حال ثبوت الدافع القاهر أو الابتزاز الذي سبق الجريمة، وفق تقدير القضاء السعودي.

وفي القانون اليمني، تُعد الجريمة مشمولة بالمادتين (234) و(235) من قانون الجرائم والعقوبات، التي تنصان على الإعدام أو السجن المؤبد لمرتكب القتل العمد، أما المبتز «ي. ا»، فيُلاحق وفق المواد (256) و(257) و(313 مكرر) الخاصة بالتهديد والابتزاز الإلكتروني، وتصل عقوبته إلى السجن المشدد والغرامة.

التحقيقات في اليمن كشفت أن «ي. ا» تفاخر بين أصدقائه بجريمته، وأنه اعتاد ابتزاز نساء أخريات بالطريقة ذاتها، قبل أن يتم القبض عليه في منطقة الحوبان– تعز، لكن محاولات وساطة قبلية للإفراج عنه تهدد بتقويض العدالة؛ ما يعكس ثغرات خطيرة في الردع القانوني والاجتماعي لهذه الجرائم.

من الناحية الشرعية، القصة تمثل سقوطًا أخلاقيًا جماعيًا، فالابتزاز محرم شرعًا، ونشر الصور الخاصة كبيرة من الكبائر، كما أن تداولها مشاركة في الإثم، كثيرون ممن أعادوا نشر الفضيحة شاركوا، دون وعي، في جريمة أخرى ضد أطفال سيحملون آثارها النفسية مدى الحياة، الإسلام جعل الستر عبادة، واعتبر من يستر مسلمًا يستحق ستر الله يوم القيامة، لكن الوعي العام تحوّل إلى لهاثٍ وراء الفضائح باسم الفضول والحق في المعرفة.

هشاشة أخلاقية

اجتماعيًا وتربويًا، تكشف القضية هشاشة البنية الأخلاقية والتقنية في مجتمعاتنا، حيث تُستغل الهواتف والمنصات لإذلال الناس بدل أن تكون وسيلة للتواصل الشريف، فالتربية الرقمية غائبة، والتوعية بالقانون شبه معدومة، فيما الاقتصاد الإلكتروني نفسه يستفيد من الفضيحة عبر الإعلانات والمشاهدات، بهذا، لم تعد التسريبات قضية أخلاقية فحسب، بل صارت أيضًا مسألة اقتصادية تغذيها شركات التواصل.

القضية لم تعد بين أصحابها فقط، بل بين مجتمع فقد حسّ المسؤولية، المطلوب اليوم ليس فقط تطبيق القانون في اليمن والسعودية، بل حماية الضحايا قبل أن يقعوا، وردع المبتزين علنًا، وتربية جيلٍ يدرك أن الخصوصية حرمة، وأن الستر قيمة، وأن كل مشاركة لفضيحة تُعد خيانة أخلاقية وإنسانية، لأن العدالة الحقيقية لا تُقاس فقط بالأحكام، بل بالوعي الذي يمنع الجريمة قبل أن تبدأ.

القضية الثانية

كشف مؤخراً في مدينة تعز مقطع فيديو عن شبكة ابتزاز مروعة استهدفت مراهقًا يُعرف باسم «ح. أ» يبلغ 16 عامًا، حيث أُجبر على أفعال مهينة وتعريته أمام الكاميرا ضمن ابتزاز مالي وجنسي، العصابة، بقيادة فضيل الأوصابي، وبلال شوقي، وامرأة عرفت باسم جولان، استغلت علاقته بالعمل في مقصف مدرسي بالتعرف على الفتيات لاستدراج الضحايا من الشباب والفتيات.

تقوم الشبكة بالبحث عن شاب صغير بالسن ميسور الحال، وإرسال فتاة للتعرف عليه واصطياده في مكان تابع للعصابة، حيث تقوم العصابة باقتحام المكان وابتزاز الشاب وتصويره في أوضاع مخلة، ثم التوقيع على إيصال مالي بمبالغ تصل إلى 5 آلاف ريال سعودي بحضور إحدى شخصيات المنطقة الاجتماعية بما يعرف باسم شيخ الحارة أو عاقل الحارة، وكذلك موظفين في قسم شرطة حي الثورة بتعز؛ ما يشير إلى تواطؤ رسمي ضمني.

منذ عام 2024م، ظلّت العصابة تمارس نشاطها دون رادع، وتعرضت بعض الضحايا للتهديد والإرهاب، بما في ذلك إطلاق النار على منازل الضحايا لإجبارهم على التراجع عن تقديم شكاوى، مقاطع الفيديو والصور أظهرت الضحايا في مواقف مهينة في نفس المكان وتظهر به نفس الجدران والأثاث، مع رسائل تهديد وابتزاز مستمرة، وكشف ذلك هشاشة الرقابة الأمنية والاجتماعية، بعد تفجر القضية على مواقع التواصل، أعلن الأمن القبض على 7 مطلوبين، بينما ما زال بعض القادة هاربين؛ ما يوضح خطورة الإفلات من العقاب.

القانون اليمني يعتبر الابتزاز المالي والجنسي، والتشهير، وتصوير القاصرين في أوضاع مهينة جريمة يعاقب عليها بالسجن المشدد وغرامات مالية، مع تشديد العقوبة عند استهداف الأطفال، والشريعة الإسلامية تحرّم الإذلال والتشهير وتعتبر إعادة نشر الفيديو أو المشاركة فيه شراكة في الجريمة.

من الناحية التربوية والنفسية، هذا النوع من الابتزاز يترك آثارًا عميقة على الضحايا، بما في ذلك اضطرابات نفسية، وعزلة اجتماعية، وتراجع ثقة الضحية بالمجتمع، المجتمع نفسه يتعرض لخطر تراجع الأخلاق والقيم عندما تتستر السلطات أو تتأخر في العقاب؛ ما يجعل التحذير أمام الجميع ضرورة؛ لا تشارك الفيديوهات، ولا تتسامح مع الابتزاز، وحماية الأطفال والشباب مسؤولية جماعية لإيقاف هذه الجرائم قبل أن تدمر المزيد من الأرواح وتسمم المجتمع.


اقرأ أيضاً:

الابتزاز الإلكتروني في ميزان الشريعة

كيف نحمي أنفسنا من الابتزاز العاطفي الإلكتروني؟

الابتزاز الإلكتروني من المخالفات المركَّبة التي تحوي جرائم متعددة

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة