مواقع التواصل تحضر في زلزال تركيا وسورية
فرضت أبجديات التمدن والثورة الرقمية العالمية نفسها بقوة في كافة تفاصيل حياة الناس، سرائها وضرائها، وبات الشق الثاني لا يقل أهمية عن أدوار أساسية في محاولة رفع الضرر وإنقاذ البشر، وهو ما ظهر بشكل جلي في كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية، مؤخراً، وأسفر عن مقتل ما يزيد على 40 ألف شخص، حتى الآن.
سواعد التكنولوجيا كانت حاضرة بقوة جنباً إلى جنب مع سواعد فرق الإنقاذ التي ظلت تسابق الزمن لانتشال ناجين من تحت ركام المباني المهدمة، من الطائرات بدون طيار «الدرونز» التي تجول في الأجواء لتقييم الأضرار ورسم صورة أوضح للتعامل مع الكارثة، مروراً بأداة «فايندر» التابعة لوكالة «ناسا» الأمريكية، التي يمكنها اكتشاف نبضات القلب تحت 30 قدماً من الركام.
ولم ينتهِ الأمر بخدمة الإنترنت «ستارلينك» التي عرض رجل الأعمال والملياردير الأمريكي إيلون ماسك تشغيلها بمناطق الكوارث لتوفير اتصالات عالية الجودة قد تكون مهمة لفرق الإنقاذ والمسؤولين الحكوميين.
مواقع التواصل: نحن هنا
وجنباً إلى جنب مع التكنولوجيا بمواقع الكارثة، حضرت مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها لتؤدي دوراً مهماً على الأرض وفي فضاء الشبكة العنكبوتية.
وقد شاهدنا عام 2014 إطلاق عملاق التواصل الاجتماعي «فيسبوك» خاصية «Safety Check» ليتمكن الأشخاص من إرسال رسائل طمأنة لأصدقائهم في جميع أنحاء العالم في أوقات الكوارث العالمية.
«Safety Check» هي إحدى الميزات التي يتم تفعيلها مع كل كارثة من قبل «فيسبوك»، وحدث ذلك مع زلزال تركيا وسورية، وتساعد هذه الخاصية الأشخاص في طلب المساعدة من الأصدقاء وتحديد نوع المساعدة أيضاً، ويمكن للأشخاص أن يتطوعوا للمساعدة من خلالها.
وبعد عام 2014 بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى في الاهتمام بميزات الأمان في أجهزتها، مثل خاصية تنبيهات الطوارئ في أجهزة شركة «آبل» التي تسمح لمستخدميها بتلقي تنبيهات الطوارئ والتنبيهات الحكومية والتنبيهات الخاصة بالسلامة العامة على الهاتف أو الساعة الذكية التي يمكنها أيضاً الاتصال بخدمات الطوارئ في غضون 10 ثوان حال وقوع حادث لمرتديها؛ ما يفيد في تقليل أعداد الضحايا وقت الكوارث.
التفاعل مع الأزمات
بعيداً عن الجانب التكنولوجي الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي في مساعدة ضحايا الكوارث العالمية، تسمح أيضاً هذه المنصات لمستخدميها بالتفاعل مع الأزمات بعرض المساعدة أو إظهار التعاطف مع الضحايا وتداول قصصهم.
وبحسب منصة «تويتر»، تربعت كلمة «earthquake» على عرش قائمة الأعلى تداولاً بالمنصة لأيام في أعقاب الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية، مع آلاف التغريدات يومياً عن ضحايا الزلزال.
وفي «فيسبوك»، إلى جانب آلاف المنشورات أيضاً، تظهر الصفحة الخاصة بالاستجابة للأزمات العشرات من عروض المساعدة بالطعام والمأوى التي قدمها مستخدمون في محيط الزلزال للضحايا.
وساعدت هذه التغريدات الصحفيين في الوصول إلى قصص عن الضحايا يمكن التعامل معها صحفياً وتسليط الضوء عليها؛ لجذب مزيد من الاهتمام ناحية ضحايا زلزال تركيا وسورية.
ويقول الصحفي خالد عمر: بتغريداتهم يظهر مستخدمو المنصات الاجتماعية التعاطف؛ ما يسهم في الضغط على بعض الحكومات خاصة الديمقراطية من أجل التفاعل بشكل أسرع مع الكوارث وتقديم المساعدات للضحايا.
ويقول عمر: إنه من خلال عمله الصحفي على مدار 20 عاماً، شاهد استجابات مختلفة لرواد مواقع التواصل الاجتماعي في الكوارث العالمية، بها الكثير من التعاطف والقليل من الشماتة خاصة من يعتقدون أن الكوارث انتقام من الله.
يرى عمر أن استجابة المتابعين للتفاعل مع الكارثة يتحدد على مدى قربها جغرافياً منهم، فهم يعتقدون في هذا الوقت أن الكارثة يمكن أن تطالهم، وهو ما يزيد من التفاعل الإيجابي.
لكنه يرى في الوقت نفسه أن إظهار التعاطف فقط والتفاعل عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي ليس كافياً في مساعدة الضحايا، حيث يجب أن يتحرك خاصة القريبين من موقع الكارثة لتقديم المساعدة على الأرض.
أما أحمد سمير، الصحفي المتخصص في منصة «تويتر»، فيرى أن وسائل التواصل الاجتماعي خاصة «تويتر» تساعده في متابعة الأحداث لحظة بلحظة وتسهم في توصيل المعلومات بشكل أسرع للصحفيين بالتالي نقلها للجمهور وزيادة مساحة التوعية في وقت الكوارث.
وأشار سمير إلى أهمية وسائل التواصل في رسائل التضامن مع الضحايا وجمع التبرعات المادية والعينية لهم وكذلك التطوع للمساعدة في إيواء الضحايا.
ويتفق في هذا الأمر عمر الذي لفت إلى أن منظمات العمل التطوعي العالمية تستخدم الإعلانات الموجهة في وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى متبرعين أكثر.
إظهار الأبطال ومشاعر التضامن
كما يعبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن تعاطفهم مع الضحايا، ويبرزون أيضاً تفاعلهم مع البطولات التي تقدم في مواقع الكوارث، حيث رأينا وسم «#شكرا_أبطال_الحماية» الذي أطلقه رواد موقع «تويتر» في الجزائر لدعم رجال الدفاع المدني الجزائريين والعاملين في تركيا، مع عشرات الصور لهم وهم يعملون بجد في انتشال الضحايا من المناطق المتضررة من الزلزال، إلى جانب تفاعل الجزائريين مع رجال الدفاع المدني الذين أرسلوا إلى المساعدة في تركيا.
ورأينا كذلك من خلال الوسوم المنتشرة عن الزلزال في تركيا وسورية فيديوهات لرجال الإنقاذ وهم يعملون ليل نهار لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وهي القصص التي تسهم في تسجيل بطولاتهم، وتسليط الضوء عليها في وسائل الإعلام.
الحكومات والكوارث ومواقع التواصل
تستخدم الحكومات وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى المواطنين مباشرة وبشكل أسرع، وقد أنشأت عدة حكومات حول العالم صفحات متخصصة على «تويتر» و«فيسبوك» يمكن بسهولة التحقق منها عن طريق العلامة الزرقاء والتصنيفات الرمزية بالمنصات المختلفة، ولهذه الصفحات دورها وقت الكوارث.
وتقدم الحكومات المعلومات الموثوقة إلى مواطنيها وقت الكوارث من خلال صفحاتها الموجودة على المنصات المختلفة، وتحذرهم في الوقت ذاته من المخاطر التي قد يتعرضون لها في مناطق جغرافية عرضة للكوارث كي يتجنبوها.
ويمكن من خلال هذه الصفحات للمواطنين في المناطق المتضررة التواصل مع الحكومات في رسائل مباشرة.
سلبيات
الأمر لا يخلو من نقاط سلبية، فكما تظهر رسائل التعاطف والقصص البطولية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في وقت الكوارث، تكون هذه الأوقات أيضاً معبراً للكثير من القصص الزائفة والمعلومات المغلوطة.
ويتفق الصحفيان أحمد سمير، وخالد عمر، على خطورة المعلومات والقصص الزائفة التي تنتشر وقت الكوارث، وينصحان المواطنين بضرورة الاعتماد على مصادر موثوقة ومنصات إخبارية متخصصة للحصول على المعلومات وعدم الانسياق وراء كل ما ينشر على المنصات الاجتماعية.
ويرى عمر أن هناك من يستغل الكوارث من أجل زيادة التفاعل على صفحته الشخصية، ويشارك بقصص زائفة في «الترند»؛ ما قد يتسبب في أزمة كبيرة يمكن أن تطال الضحايا أنفسهم وتقلل من حجم التعاطف معهم.
أما سمير، فيعتقد أن من بين السلبيات الكبرى لوسائل التواصل الاجتماعي السماح بنشر المشاهد العنيفة والدموية وقت الكوارث، خصوصاً أن هذه المشاهد تظهر أمام المراهقين.