نصف امرأة!

منى عبدالفتاح

27 يناير 2025

3614

نعم.. هي نصف امرأة، وربما بقايا امرأة، تلك التي تواجه ويلات القصف الصهيوني الغادر في غزة الأبية للعام الثاني على التوالي، وسط تواطؤ دولي، وهي تلك المرأة التي عاشت لسنوات مأساة سجن صيدنايا في سورية، وهي الأم التي باتت نازحة في اليمن، ولاجئة في السودان، وقد تشتت شمل أسرتها، وفقدت زوجها أو أحد أبنائها أو أشقائها.

إن المرأة هي أكثر من يدفع ثمن الحروب، وفي الأغلب تدفع الثمن أكثر من مرة، تدفعه كامرأة تتعرض للاغتصاب والعنف الجنسي، وكزوجة تترمل جراء مقتل زوجها، وكأم يستشهد أبناؤها، وكمناضلة تواجه القمع والسجن، لتعيش مأساة كبيرة ودامية، تظل آثارها لسنوات وعقود.

من الظلم والقهر، إلى الفقر والجهل والبطالة والعنوسة، تواجه المرأة في بلدان عدة، معاناة قاسية؛ بسبب حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، لكنها تظل هدفاً لآلة الحرب، وشبيحة الظالم، وسجون المستبد، بينما يتغنى العالم بـ«حقوق المرأة» في القرن الحادي والعشرين.

تغمض الأعين، وتخرس الألسنة، وتموت الضمائر، حينما تكون المستهدفة والضحية امرأة عربية أو مسلمة، حينئذ هم صُم بُكم عُمي، لا ينددون بما تتعرض له حواء، ولا يفرضون العقوبات، بحق من تسبب في معاناتها، ودفع بها إلى حافة الهاوية جراء الحروب والنزاعات المستمرة، الممولة من قوى إقليمية ودولية، تحت بصر المجتمع الدولي والمنظمات الأممية.

عندما داست أم أحمد بإحدى قدميها لغماً أرضياً خلفته سنوات الحرب في اليمن، فمزق جسدها النحيل، لم تكن محاربة في معركة، ولم تنتم إلى أي طرف سياسي، وإنما كانت ضحية وقعت بين شقي أرواح تُزهق وأطراف تُبتر، بحسب تقرير صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

يقول التقرير، الصادر عام 2023م: إن الأمر قد يصل إلى حد استخدام المرأة أداة حرب حينما تتعرض للعنف الجسدي، ويتقلص دورها الاجتماعي، وتتضاءل خياراتها كلما طال أمد النزاع؛ ما يفاقم معاناة النساء ويجعلهن عرضة للانتكاسات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.

وفق لغة الأرقام الصادمة، فإن ما يقرب من 90 مليون فتاة، أو واحدة من كل 5 فتيات على مستوى العالم يعشن في منطقة نزاع؛ ما يترتب عليه التعرض لآثار مدمرة على صحتهن الجسدية والنفسية.

غزة تتألم

تجسد نساء غزة مثالاً حياً على هذا الواقع المؤلم لعالم يحتفل سنوياً بالمرأة، بينما هي نصف امرأة في بقعة باتت عاراً على جبين الإنسانية، حيث يشكلون إلى جانب الأطفال قرابة 70% من ضحايا الحرب «الإسرائيلية» على القطاع، خلال الفترة بين نوفمبر 2023 وأبريل 2024م، بحسب بيانات المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان.

https://mugtama.com/09/341676/

أكثر من مليون امرأة غزاوية ليست لديها القدرة للوصول إلى الغذاء، والمياه الصالحة للشرب، أو المرافق الصحية مثل الحمامات والفوط الصحية، 4 من بين كل 5 أمهات يتخطين وجبات الطعام لإطعام أطفالهن، 155 ألف حامل ومرضعة يواجهن مصاعب طبية ونفسية، و328 ألف فتاة حرمن من التعليم، أكثر من مليون امرأة تم تهجيرهن، وفق التقرير المعنون بـ«غزة.. حرب على صحة النساء»، الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، في سبتمبر الماضي.

تقول المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة سيما بحوث: إن هناك أُمّين تقتلان في قطاع غزة كل ساعة، ويقول المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: إن نحو 3 آلاف امرأة فقدن أزواجهن في الحرب، أو أصبحن معيلات لأسرهن، في حرب صهيونية دموية راح ضحيتها أكثر من 155 ألف شهيد وجريح.

يمكن القول: إن مأساة نساء غزة كانت وما زالت فاضحة وكاشفة لحالة النفاق الغربي والدولي تجاه حقوق المرأة، مع غياب أي مظلة للحماية تحفظهن من الموت قصفاً، أو جوعاً، أو برداً، أو أسراً، وهن عُزل لا يحملن سلاحاً، ولسن هدفاً عسكرياً، يثير شهية طائرات نتنياهو ومدافع بن غفير وقذائف سموتريتش، بل إن العالم لم يتحرك قط لإقامة منطقة حظر جوي لحماية المدنيين من النساء والأطفال، أو يفرض عقوبات قاسية بحق المعتدين، كما فعل على سبيل المثال ضد روسيا رداً على حربها على أوكرانيا.

بالطبع تختلف دماء المرأة الأوكرانية عن نظيرتها الفلسطينية، ويختلف التعاطي الدولي مع المرأة، وفق جنسيتها ودينها ولغتها، لتدفع الثمن كأنثى، وعربية، ومسلمة، ثم يعاود العالم الاحتفال سنوياً باليوم العالمي للمرأة، بينما تتوالى مواكب الشهيدات في غزة.

إن الاحتفاء الحقيقي بالمرأة يجب أن يكون فرصة لإظهار التضامن مع المرأة في مناطق النزاع والحروب، خاصة المرأة الفلسطينية، وسن التشريعات لحمايتها، وصون عرضها وكرامتها، ووضع المخصصات المالية للوفاء باحتياجاتها، وإعادة تأهيلها نفسياً وصحياً وتعليمياً واجتماعياً واقتصادياً، وتكريمها في المحافل الدولية، حتى لا تكون نصف امرأة.

ومن الضروري والعاجل أن تتوسع عملية إعادة الإعمار من تأهيل البنى التحتية، لتشمل إعادة بناء تلك المرأة، وتوفير أجواء التعافي لها، وتضميد جراحها، وتعويضها عما فاتها من تعليم، وتزويجها إذا ترملت، ودعمها إذا فقدت أطفالها، وإغاثتها إذا فقدت بيتها، وتوفير الأمن لها، ومعاقبة المعتدين عليها، حتى لا تتكرر المأساة مجدداً في أي بقعة حول العالم.


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة