هكذا يتم غسيل العقول الصهيونية والتأثير في التعليم
إذا كان هناك من نموذج يستحق منا الدراسة والتحليل بهدف معرفة كيفية تحقيق النجاح تلو الآخر في الملفات المختلفة، والقدرة على التأثير في المجتمعات، بل وفي مراكز صنع القرار، فالنموذج الأمثل لذلك هو المنظمات الصهيونية التي تمكنت في فترات قياسية من أن تصبح اللاعب الرئيس الذي يخشاه الجميع، نظراً للأساليب الناجعة والمتنوعة التي تتبعها تلك المنظمات للوصول لأهدافها.
قد يختلط الأمر على البعض فيخلط ما بين المنظمات الصهيونية الداعمة للإجرام «الإسرائيلي»، وأفراد الجاليات اليهودية التي تنتشر حول العالم، فهناك من اليهود من يعارض بشدة ما تفعله «إسرائيل» من مذابح مستمرة، ويعتبر أن الكيان الصهيوني وأذرعه المختلفة هي الخطر الأكبر على الأمن والسلام في العالم، بل وهناك يهود يؤيدون الحق الفلسطيني ويعتبرون أن التعاليم اليهودية تم التلاعب فيها بواسطة الصهاينة.
ولعل أحد الأدوات المهمة التي تعتمد عليها المنظمات الصهيونية هي تحويل الأجيال الجديدة من اليهود إلى صهاينة يؤمنون بالحق الوجودي لـ«إسرائيل»، وذلك من خلال التلاعب في المنظومة التعليمية للمدارس اليهودية حول العالم، وذلك لضمان السيطرة على تلك العقول، وزرع الأفكار الصهيونية في دماغ كل يهودي حول العالم.
8 منظمات صهيونية كبرى في بريطانيا تهدف إلى التأثير على التعليم الديني بما يخدم المعتقدات الصهيونية
من المهم دراسة العدو وفهم مواطن القوة والضعف، والطرق التي يتبعها للوصول لأهدافه، من أجل الحذر وأخذ الدروس والعبر، وهو ما سنحاول أن نتناوله من خلال معرفة الأدوات التي تستخدمها المنظمات الصهيونية للسيطرة على المدارس والمناهج وتنشئة أجيال تؤمن بتلك المبادئ حول العالم، ومن أجل ذلك سنتعرف بمزيد من التفصيل على الواقع في أوروبا بشكل عام، وفي بريطانيا بشكل خاص.
لماذا بريطانيا؟
لماذا بريطانيا؟ لأنها تمثل مع فرنسا المعقل الأكبر للجاليات اليهودية في أوروبا، فهناك أكثر من نصف مليون يهودي يعيشون في فرنسا وقرابة 300 ألف يهودي يعيشون في بريطانيا، ولنا أن نعلم أن غالبية المجتمع اليهودي تفضل تعليم أبنائها في مدارس يهودية، حيث يوجد قرابة مائة ألف طالب يتلقون تعليمهم في أوروبا في مدارس يهودية خالصة، يبلغ عددها 150 مدرسة في بريطانيا، حيث تضم ما يزيد على 40 ألف طالب يهودي.
وتتوزع أغلب تلك المدارس بين كونها يهودية خاصة، ومدارس أرثوذكسية يهودية تخدم المجتمعات الحريدية المتشددة، وتتضمن مناهجها تعليماً دينياً مكثفاً بجانب المواد الأساسية، بالإضافة لبعض المدارس اليهودية الحكومية التي تقدم مزيجاً من المناهج الوطنية البريطانية ومناهج دينية وثقافية يهودية، ومعظم المدارس اليهودية تتركز في لندن والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك مانشستر، حيث توجد مجتمعات يهودية كبيرة.
كما يمكن من خلال قراءة الإحصاءات الواردة عن المجلس اليهودي البريطاني ملاحظة أن عدد المدارس اليهودية شهد زيادة ملموسة في السنوات الأخيرة نتيجة نمو المجتمعات الأرثوذكسية الحريدية، التي لديها معدلات إنجاب عالية وتتطلب مؤسسات تعليمية تلبي احتياجاتها الخاصة.
إلى هنا ويبدو الأمر طبيعياً، فمن حق كل مجتمع أو طائفة أن تحرص على تعليم أبنائها التعليم الديني المناسب لما تتناوله معتقداتها، ولكن المنظمات الصهيونية كان لها رأي آخر، فقد تشكلت 8 منظمات صهيونية كبرى في بريطانيا، ووضعت من ضمن أهدافها التأثير على التعليم الديني وتحويله إلى التطرف بما يخدم المعتقدات الصهيونية، واعتبار «إسرائيل» هي الراعي الرسمي لليهود حول العالم.
ولنبدأ الأمثلة بالصندوق القومي اليهودي في بريطانيا (JNF UK) الذي يركز على جمع الأموال في بريطانيا لدعم مشاريع تنموية في «إسرائيل»، كما يدعم برامج تعليمية وثقافية لتعزيز الارتباط بـ«إسرائيل» بين الجاليات اليهودية في بريطانيا.
المنظمات الصهيونية لم تكتف بالعمل في المدارس وإنما أسست هيئات تركز على دعم التكنولوجيا بـ«إسرائيل»
المثال الثاني للمنظمات الصهيونية العاملة في هذا المجال هو الاتحاد الصهيوني لبريطانيا وأيرلندا (ZF) الذي يعلن بوضوح في ميثاقه أنه يعمل على نشر الوعي حول الصهيونية، والدفاع عن «إسرائيل» في وسائل الإعلام والسياسة، من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والدورات التدريبية لتعريف الشباب بالهوية اليهودية الصهيونية، كما يقوم بدعم رحلات الطلبة إلى «إسرائيل» وزيارة المستوطنات فيها، بهدف فرض نظرة أحادية الجانب حول القضية الفلسطينية، وتضع المنظمة في أولويات خطة عملها كل عام تنظيم أنشطة طلابية في المدارس للاحتفال بـ«يوم استقلال إسرائيل»، التي تتضمن محاضرات وعروضاً تُظهر إنجازات «إسرائيل».
تعزيز العلاقة
ثالث المنظمات الصهيونية الكبرى هي مجلس القيادة اليهودي (JLC) الذي يمثل المصالح اليهودية أمام الحكومة البريطانية والمؤسسات الكبرى، كما يعمل على تعزيز العلاقة بين اليهود في بريطانيا و«إسرائيل»، واللافت في ميزانية المجلس هو ذلك البند الخاص بالدعم المالي البذخ للمدارس اليهودية الذي يصل إلى 15 مليون جنيه إسترليني سنوياً، بشرط إدراج برامج تعليمية تركز على «إسرائيل» مثل دروس التاريخ الصهيوني، وهذه البرامج تعرضت للنقد من قبل بعض المعلمين والطلاب الذين شعروا بأن المدارس أصبحت أكثر تركيزاً على «إسرائيل» مقارنة بالهوية اليهودية الأوسع.
هناك بعض المنظمات الصهيونية التي تعمل بقوة على فكرة تعزيز العزلة الاجتماعية والثقافية لليهود، مثل منظمة «Bnei Akiva UK» التي شجعت طلاب المدارس اليهودية على الانضمام إلى معسكرات صيفية تركز فقط على الحياة اليهودية الصهيونية والابتعاد عن أي تفاعل مع المجتمعات غير اليهودية.
ولم تكتف المنظمات الصهيونية بالعمل العام في المدارس، وإنما أسست هيئات متخصصة مثل منظمة «Technion UK» التي تركز على دعم العلوم والتكنولوجيا المرتبطة بـ«إسرائيل»، من خلال تقديم منح وبرامج علمية للمدارس اليهودية لتعزيز الاهتمام بالابتكار «الإسرائيلي»، ودعم إنشاء مختبرات علمية في بعض المدارس بالتعاون مع جامعات «إسرائيلية».
هدف المنظمات الصهيونية تحويل كل يهود العالم إلى صهاينة وصناعة رأي عام مؤيد للسردية «الإسرائيلية»
لم تكتف المنظمات الصهيونية بكل هذه الأدوات التي تعمل على غسيل دماغ كل يهودي وتحويله إلى صهيوني، وإنما عملت أيضاً على إسكات أي أصوات يهودية معارضة لتلك البرامج في المدارس، ولعل المثال الأبرز على ذلك ما حدث في عام 2020م حين تم تسليط الضوء على حادثة تم فيها استبعاد مدرس يهودي من مدرسة دينية بعد أن أعرب عن آراء نقدية تجاه سياسات «إسرائيل» خلال نقاشه مع الطلاب، وهي الواقعة التي أثارت جدلاً حول حرية التعبير داخل المدارس اليهودية، ومدى السماح بالتعددية الفكرية.
هذه الأمثلة الكاشفة توضح لنا طريقة عمل ومنهجية تفكير المنظمات الصهيونية في بريطانيا، وهو نفس الأسلوب الذي تتبعه باقي المنظمات في أوروبا وحول العالم، والهدف الأكبر هو تحويل كل اليهود حول العالم إلى صهاينة، وصناعة رأي عام مؤيد للسردية «الإسرائيلية»، بحيث يتحول اليهود في أرجاء العالم إلى صهاينة متطرفين يمتلكون الأدوات التي تساعدهم على التأثير والوصول لمراكز صنع القرار في بلادهم، وهو ما يفسر لنا في بعض الأحيان المواقف المخزية والمؤيدة للكيان الصهيوني التي تتخذها بعض الدول الأوروبية، حيث تمكنت المنظمات الصهيونية من التغلغل في الدوائر القريبة من صنع القرار السياسي والتعليمي والثقافي والإعلامي، وأصبح لها وزنها الذي يعمل له ألف حساب.