هل تختار الخوارزميات زوجات المستقبل؟!

كريم الدسوقي

22 يوليو 2025

220

مع التطور المتسارع للتقنية، لم يعد موضوع الزواج حكراً على الوسائل التقليدية، بل بات يشهد تغيرات متسارعة مدفوعة بعوامل التكنولوجيا وتبدل أنماط الحياة، وهو ما ظهر جلياً مع تزايد استخدام التطبيقات الرقمية كوسيلة للتوفيق بين الراغبين في الزواج، في محاولة لمواءمة متطلبات العصر مع الحاجة الفطرية للاستقرار الأسري، التي دعا إليها الشرع الحنيف بقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم: 21)، لكن الظاهرة أثارت أيضاً مخاوف بشأن أخلاقية وشرعية استخدام مثل هذه التقنية في أقدس شأن اجتماعي.

من أبرز هذه التطبيقات التي نالت شهرة مؤخراً في هذا السياق تطبيق «استقرار»، الذي حجز موقعاً متقدماً في نقاش الشارع السعودي والخليجي بعد انتشار وسم «#اخطب_لنفسك_مع_تطبيق_استقرار» على نطاق واسع في منصات التواصل، خاصة منصة «إكس»، وتحول من مجرد دعوة للتفاعل مع التطبيق إلى مادة سجال حول مدى شرعية وفاعلية الزواج عبر الوسائل التقنية، بين من رآه استجابة معاصرة لحاجات الشباب، ومن تخوف من تفريغ العلاقة من معناها الإنساني والديني.

تطبيق «استقرار» مصمم لخدمة جميع الفئات، سواء المواطنين أو المقيمين، عبر أدوات توفر بيئة آمنة تحترم الخصوصية، كما يقدم التطبيق خدماته بأسلوب يحافظ على السرية عبر الاكتفاء بعرض المواصفات العامة دون تفاصيل الاتصال، وهو ما قد ينظر إليه كخطوة احترازية تتفق مع القيم الإسلامية في صيانة حياء المرأة المسلمة.

تفاعل وانقسام

التفاعل الواسع مع الوسم كشف عن حالة انقسام حقيقية في الرأي العام السعودي، فهناك من انفتح على الفكرة ورآها وسيلة مناسبة في بيئة تقيد فيها الظروف الاجتماعية فرص التعارف المباشر، لا سيما مع تفاوت الطبقات الاجتماعية، وهو ما عبرت عنه تغريدة وصف صاحبتها الزواج بأنه «استقرار وحياة حلوة تجتمع مع أسرتك»، في تعبير يحمل معاني مألوفة في الوعي الإسلامي حول مقاصد النكاح وأهميته في بناء الأسرة.

في المقابل، عبر آخرون عن رفضهم، بل وسخريتهم من فكرة الاعتماد على تطبيق لاختيار شريك الحياة، وهو ما عبر عنه معلق بقوله: «ما في تطبيق العكس؟!»، في إشارة إلى غياب آليات للتراجع أو الرفض، بينما قال آخر: «لا تتكلف؛ مو عيب تكون إنساناً عادياً!»، معبراً عن امتعاضه مما وصفه بـ«تسليع» العلاقات الاجتماعية.

الوسيلة والمقصد

الاعتراضات لم تقتصر على السخرية، بل طرحت تساؤلات أعمق حول مشروعية الاعتماد على الخوارزميات في اتخاذ قرار مصيري كالزواج، فقد رأى بعض المعلقين أن هذه الطريقة تفرغ الزواج من معناه الروحي، وتحوله إلى عملية انتقائية سطحية قائمة على الصورة واستعراض مواصفات الراغبين في الزواج.

إحدى الرافضات لفكرة إخضاع الزواج لخوارزميات التقنية علقت ساخرة بالقول: «بالله للحين فيه ناس مصدقة ومؤمنة بزواج البرامج والخطابات؟!».

هذا الطرح يتقاطع مع الرؤية الشرعية التي تؤكد التروي، والمشاورة، والنظر في الدين والخُلق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، لكن آخرين رأوا أن استخدام هذه التطبيقات قد يكون وسيلة مباحة إن تم الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية.

بل إن أحد المعلقين استدل بقاعدة أصولية مفادها أن «الوسائل لها أحكام المقاصد»، فما دامت الغاية هي الزواج المشروع فلا بأس من استخدام أحدث التقنيات التي تخدم هذا المقصد، مدافعاً عن التطبيق السعودي باعتباره ملجأً لأولئك الذين يجدون صعوبة في الطرق التقليدية للزواج.

هذا السجال الرقمي أظهر أن مفهوم الزواج، وإن غلفته أدوات التقنية، ما زال يحتفظ بحساسيته الثقافية والدينية في العقل والوجدان الجمعي، وهي الحساسية التي ظهرت جلياً في مشاركة الآلاف في التفاعل مع موضوع الوسم وتطبيقه خلال أيام قليلة، وانتقاله إلى منصات أخرى كـ«إنستغرام» و«فيسبوك».

أستاذ علم الاجتماع د. أحمد الفارسي، يرى أن هذا السجال يعكس نمطاً جديداً في التفكير لدى الشباب الذين لم يعودوا يرون بأساً في استخدام الوسائل الحديثة لتحقيق أهداف تقليدية كالحياة الزوجية، بحسب قناة «الإخبارية» السعودية.

يؤكد الفارسي ضرورة وجود دراسات تتابع أثر هذه التطبيقات على العلاقة الزوجية وجودتها واستمراريتها، خاصة بعدما نشرت جامعة الملك سعود دراسة، في يوليو الجاري، أظهرت أن شريحة واسعة من الشباب السعودي باتت تفضل هذه الوسائل، في ظل غياب البدائل المقبولة أو العملية في بعض البيئات الاجتماعية؛ وهو ما يعكس تحولاً تدريجياً في المزاج الاجتماعي، نحو القبول الحذر للتقنية كأداة تعارف، بشرط ألا تقوض الأصول الشرعية للزواج.

قصص نجاح

لا يزال من المبكر الحكم على كفاءة وجودة التطبيق السعودي، لكن المؤشرات الرقمية تدل على حالة اهتمام حقيقي، فالتطبيق، بحسب موقعه الرسمي، يعرض حزمة من الخيارات تتيح للمستخدم تصفية النتائج وفق المعايير الشخصية مع ضمان عدم الكشف عن الهوية؛ ما يعزز الشعور بالأمان، باعتباره أحد أهم العناصر في بناء الثقة بتكوين العلاقات الاجتماعية.

ومن ناحية الجهات الرسمية، لم يصدر حتى الآن رد فعل من مؤسسات سعودية مختصة، وإن كانت المتابعة ضمنية في إطار ما توليه الدولة من رقابة تنظيمية على التطبيقات الاجتماعية، لضمان توافقها مع النظام العام والقيم الثقافية؛ ما يؤشر إلى أن انتشار التطبيق لا يمكن أن يتم دون موافقة رسمية.

ومع اتساع نطاق الجدل، يستمر الوسم في جذب الانتباه ويتجدد السجال اليومي حول «خوارزميات الزواج» التي يزعم المدافعون عن التجربة أنها كفيلة بتقليل حالات الطلاق ورفع نسبة الكفاءة في الزواج.

بينما يطالب الرافضون بعرض قصص نجاح تثبت نجاح التجربة، ويرون أن «استقرار» ليس سوى ظاهرة ستنحسر سريعاً إذا لم تجد ما يدعمها من تطورات ملموسة.

إزاء ذلك، يبقى ترند «#اخطب_لنفسك_مع_تطبيق_استقرار» صورة مصغرة لتحولات أكبر يشهدها المجتمع السعودي في علاقته بالتقنية والدين والقيم، فبين من يرى فيه وسيلة جديدة لتحقيق مقصد شرعي نبيل، ومن يخشى أن يكون باباً إلى تفريغ الزواج من مضمونه الشرعي والإنساني، تستمر الجدلية قائمة.

فالزواج من منظور إسلامي مشروع حياة وإحدى سنن الفطرة، ولا مانع شرعياً من استخدام الوسائل المعاصرة في الوصول إليه، ما دامت ملتزمة بالضوابط الأخلاقية التي تحفظ للمرأة كرامتها، وللرجل مسؤوليته، وللعلاقة الزوجية قدسيتها، والفيصل في ذلك –حسب المقرر فقهاً– ليس الأداة، بل كيفية استخدامها ونية وسلوك من يستخدمها، وفي زمن تتداخل فيه القيم والتقنيات يبقى التحدي الحقيقي في الحفاظ على جوهر العلاقة الزوجية، كما أرادها الله تعالى، وسط زخم الوسائل الجديدة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة