شبهات حول فلسطين (14)

هل كان بنو إسرائيل أول من أدخل التوحيد إلى فلسطين؟

تعتبر مسألة التوحيد واحدة من أهم النقاط التي تتباهى الرواية التوراتية عموماً، حيث تعتبر هذه الرواية أن بني إسرائيل هم أول الموحدين الذين يعود لهم وحدهم الفضل في تعريف الأمم بفكرة الإله الواحد، وأنهم بالتالي أول من أدخل التوحيد إلى الأرض المقدسة التي كانت شعوبها الأولى سابقاً تغوص في بحرٍ من الوثنية وعبادة الأصنام والحجارة والخشب.

وهذه النظرة الفوقية نراها في كثير من الكتابات والشروحات التي تتعامل مع السكان الأصليين لهذه الأرض، الذين تدعي الرواية التوراتية أنهم كانوا وثنيين في الحقيقة.

الكنعانيون قبل بني إسرائيل.. حقيقة التاريخ

وهذه النقطة يتمسك بها أتباع هذه الرواية كنقطة احتياطية يستخدمونها للرد على من يكشف أن هناك شعوباً كانت تسكن هذه الأرض –ولا سيما القدس– قبل قدوم بني إسرائيل.

فمن المعروف اليوم أن كثيراً من المروجين للرواية التوراتية يبدؤون الحديث عن تاريخ هذه الأرض منذ 3000 عام، عند دخول بني إسرائيل إلى هذه البقعة وحكم ملوك بني إسرائيل فيها؛ بما يوحي أن هذه الأرض كانت فارغة قبل ذلك، فإذا ما واجهتهم بحقيقة وجود آثار كنعانية تعود إلى أكثر من 4500 أو 5000 عام في هذه الأرض استخدموا ورقة التوحيد باعتبار بني إسرائيل أول الموحدين على هذه الأرض.

لكن الواقع الذي تبينه الدلائل التاريخية في الحقيقة يناقض هذا الادعاء، فالكنعانيون الذين تنعتهم الرواية التوراتية ومروجوها اليوم بالوثنيين وعبدة الأصنام كانوا في أصل وجودهم موحدين في الحقيقة، وهذه النقطة تنطق بها التوراة نفسها التي تدعي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما دخل مدينة القدس استقبله فيها ملكها «ملكي صادق» الذي كان صالحاً، ويبدو واضحاً من الرواية التوراتية أن هذا الملك كان موحداً مرحباً بنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

هذا من الناحية التاريخية المذكورة في نص التوراة بغض النظر عن قبول أو رفض صحة الأخبار الواردة في هذا النص.

مدينة القدس الأولى التي بناها الكنعانيون العرب

لكننا في الحقيقة نجد إشارات أخرى لهذا الأمر من خلال دراسة شكل وطبيعة مدينة القدس الأولى التي بناها الكنعانيون العرب، فالتجمعات الحضرية البشرية كانت دائماً تقوم حول مصادر الماء، سواء بشكل دائري حول الينابيع والآبار التي تكون عادة في منتصف التجمعات، أو على امتداد شواطئ الأنهار في الحالات التي تقام فيها المدن قرب الأنهار.

لكننا في حالة القدس نلاحظ شيئاً مختلفاً، وهو أن مدينة القدس لا يوجد فيها غير مصدر ماء واحد هو عين سلوان الواقعة على بعد حوالي 500 متر جنوبي السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك؛ وبالتالي، فإنه يفترض أن تكون القدس الأولى الكنعانية مستديرة حول هذه العين، إلا أن الحفريات الأثرية التي قام بها الاحتلال في سلوان أثبتت أن مدينة القدس الكنعانية الأولى التي بنيت قبل قدوم بني إسرائيل بأكثر من 1500 عام على الأقل كانت مستطيلة، وكانت تقع بين عين سلوان في أقصى الجنوب، وأسوار المسجد الأقصى المبارك في شمال المدينة.

وهذا الأمر في نظري يدل على أن بنّاء القدس الأوائل؛ أي الكنعانيين العرب، كانوا يعرفون قيمة المسجد الأقصى المبارك، ويحترمونه، ولذلك بنوا مدينتهم بين المسجد الأقصى من الشمال ومصدر الماء من الجنوب، ولم يدخلوا «الأقصى» ببناء غير أبنية العبادة، ولا يمكن فهم ذلك إلا في سياق كونهم يعرفون قيمة هذا المكان المقدس؛ ولذلك رغبوا في جواره مع احتياجهم للماء؛ ما أجبرهم على أن يبنوا مدينتهم بهذا الشكل المستطيل الغريب على أشكال المدن القديمة، لا لشيء إلا لأنهم موحدون كانوا يقدسون المسجد الأقصى قبل بني إسرائيل بكثير.


اقرأ أيضاً:

ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم

القدس بين التوراة والقرآن

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة