هل نحن عبيد للرياضة.. أم سادة لها؟!

عيسى الحمر

21 أكتوبر 2025

303

في زمنٍ ينهال علينا فيه الغبار الإعلامي من كل اتجاه، وتُعاد فيه صياغة المفاهيم والقدوات، جاءت حرب غزة، بكل ما فيها من دموع وأشلاء وصبر ونصر، كجرس إنذار يوقظ فينا أسئلة الوعي، ويعرّي أمامنا حقائق كنّا نغضّ الطرف عنها، ربما عن ضعف، وربما عن انشغال بلهو لا يليق بمَن رُفع إلى مقام الاستخلاف في الأرض.

عامان من الحرب كانا كافيين لأن أراجع نفسي، لا عن ذنب فحسب، بل عن أولوياتي ومفاهيمي ومواقفي، وبينما كنت أتابع مواقف الشرفاء من الغرب، أولئك الذين لم تمنعهم المسافات ولا اللغات عن الوقوف إلى جانب الحق، تساءلت: أين أبناؤنا؟ أين الرياضيون الذين تتغنّى الجماهير بأسمائهم؟ أين اللاعبون الذين تتهافت عليهم الإعلانات، ويُفرَش لهم السجاد الأحمر في كل محفل؟

أين الشجاعة التي نراها في الملاعب حين تُسجّل الأهداف، لكنها تغيب حين تُهدَم البيوت وتُقتل الأطفال؟

نظرت حولي، قلّ من تكلّم، وقلّ من تعاطف، وندر من دافع، وكأن فلسطين ليست من جسد الأمة، فطرحت السؤال بمرارة: هل أصبحنا خدماً للرياضة؟ وهل الرياضة، في أصلها، جاءت ليخدمها الإنسان، أم جاءت لتخدم الإنسان في قوته وبنائه؟

من الرياضة إلى «الريوضة»

اللغة تعطينا مفاتيح الفهم، وكلمة رياضة من الأصل روّض؛ أي جعله مطيعاً، فرياضة الجسد -في أصلها- تعني تطويع الجسد ليخدمنا في طاعة الله وفي نفع الأمة، فهل هذا ما نفعله؟ أم أننا عكسنا المفهوم؟

كم من شاب ينظم وقته بالكامل لخدمة عضلة، أو مظهر، أو بطولة، لكنه ينام عن الفجر، ويجهل أركان دينه، ولا يعرف من هو صلاح الدين، أو عبدالقادر الجزائري، بينما يحفظ أسماء لاعبي أوروبا بدقة متناهية؟!

الإعلام.. من أداة ترفيه إلى مصنع قدوات مزيفة

لقد نجح الإعلام الغربي في تصدير «النجم» كمفهوم شامل للسعادة والنجاح، فإن أردت أن تكون مهماً يجب أن تكون مشهوراً، ولو شهرتك في لعبة لا تنفع إلا في كسب الأموال!

بات اللاعبون أكثر ثراء من العلماء، وأكثر شهرة من الفلاسفة، وأكثر متابعة من الدعاة، فأصبح «الركل» يُدفع عليه الملايين، بينما من يخترع دواء يغيّر حياة البشرية يُذكر اسمه بخجل في الأخبار العلمية!

وهل كل رياضة مذمومة؟!

كلا، لسنا ضد الرياضة، بل معها، حين تكون في مكانها الصحيح، فالإسلام حضّ على القوة، بل جعلها محبوبة عند الله كما في الحديث: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، لكن القوة التي نعنيها هنا ليست فقط في القفز والركض، بل في الدفاع، في إعداد العدّة، في الجاهزية.

فالفروسية، والرماية، والفنون القتالية، كلها رياضات تخدم الفرد والأمة، أما كرة القدم –رغم شعبيتها– فهل ستمنع عدواناً؟ هل تحمي وطناً؟ هل تحرر أرضاً؟ فلنسأل أنفسنا بصدق: ما القيمة الإستراتيجية لهذا النوع من الرياضات في ظل ما تمرّ به أمتنا؟

هل نمنع الناس من اللعب؟!

قطعاً لا، نلعب ونفرح ونمارس ما نحب، لكن دون أن نصبح عبيداً له، لا ينبغي أن تنقلب المعادلة، فتصبح الرياضة شغلنا الشاغل، وتتحكم في نومنا وطعامنا وصلاتنا وأهداف حياتنا.

الميزان هو التوازن، أن تمارس الرياضة لتقوّى بها، لا أن تُستعبد لها، أن تعرف قيمتك كإنسان، لا أن تختصر نفسك في جسم رياضي فقط، أن تبني نفسك لتخدم أمتك، لا لتنافس على إعجاب المتابعين.

أي رياضة نريد؟

الإسلام دين التوازن، والرسالة الربانية جاءت لتضع كل شيء في موضعه، نحن أمة أُمرت بأن تكون وسطاً، لا إفراط في اللهو، ولا تفريط في القوة، نريد رياضة تُعدّ أجسادنا لمواجهة الحياة، لا تُلهينا عن رسالتنا.. نريد قدوات رياضية تنصر القضايا، لا تهرب منها.. نريد شباباً يعرف عن أخيه في اليمن وفلسطين أكثر مما يعرفه عن نتائج الدوريات.

وكما قال الشاعر:

يا خادمَ الجسمِ كمْ تشقى بخدمتهِ          أتبغي الربحَ ممّا فيه خسرانُ؟

أقبلْ على النفسِ واستكملْ فضائلَها     فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة