هيمنة الدولار.. كيف يحكم الاقتصاد العالمي اليوم؟

هل تساءلتَ
يومًا عن سبب قدرتنا المادية على شراء ملابس أكثر بكثير مما استطاع أجدادنا شراءه،
وعدم قدرتنا على الأرجح على امتلاك منزل للاحتفاظ فيه بهذه الملابس جميعها؟ ولماذا
يتضاعف سعر فاتورة البنزين الخاصة بك في غضون أشهر، ولكنه لا ينخفض بالسرعة نفسها؟
قد تدفعك قراءة
الأخبار هذه الأيام إلى التساؤل عمَّا إذا كان هذا الوضع سيسمح لأيٍّ منَّا أن
يتحمَّل نفقاته كلما تقدَّم في العمر، أو عمَّا إذا كان من الممكن توافر ما يكفي
من الوظائف في زمن تسود فيه الهجرة الجماعية.
لماذا فقدنا الثقة في «العلم الكئيب»؟
إن الاقتصاد المحرك
الرئيس لكل هذا، وهو الكلمة التي أضحت هذه الأيام تثير الانزعاج، لا سيما منذ
الانهيار الاقتصادي في عام 2008م، لقد أصبحت كلمة «اقتصاد» اختصارًا للنظام
المُحيّر الذي فقدَ كثيرٌ منَّا ثقته فيه.
فقد تعرَّض
الاقتصاديون للنقد المستمر في وسائل الإعلام، والسبب عجزهم عن رؤية العاصفة
القادمة، وعدم تمكّنهم من فعل ما يلزم لإصلاح الضرر الذي خلَّفته، ويبدو عادة أن
الذين يحركون الأمور في الظل -الساسة والشركات المجهولة الهوية- إما جاهلون، أو سيّئو
النوايا، وهو الأسوأ.
يُطلق على
الاقتصاد أحيانًا «العِلم الكئيب»، ولكن يُمكن أيضًا وصفه بالعلم الذي تحتكره فئةٌ
معيَّنة.
يقول دارشيني
ديفيد، في كتابه «سطوة الدولار»: «لقد كانت رغبتي في إخبار الناس عن عالَم
الاقتصاد الغريب، وآثاره علينا جميعًا، هي ما دفعني إلى ترك وظيفتي في قاعةِ تداول
بلندن والعمل بغرفة أخبار، والآن، مع تداعيات الأزمة المالية التي لا تزال تخيِّم
على الصورة، أردت أن أقدِّم رؤيةً أوضحَ للكيفية التي تُشكِّل بها القوى
الاقتصادية العالَم الذي نعيش فيه، ومن هنا بدأت فكرة الكتاب».
العولمة.. عالم أصغر وأكثر تعقيدًا
لكي نفهم، نحتاج
إلى النظر في آلية عمل الاقتصاد العالمي، لقد أصبح العالَم الذي نعرفه أصغر وأكثر
تعقيدًا في الوقت نفسه، حيث يعيش 7 مليارات منَّا ويعملون على هذه الأرض، ونحن
جميعًا نتنافس على العناصر نفسها ذات الكميات المحدودة؛ الطعام أو النفط أو حتى
الهواتف الذكية، إنه نظام مترابط بشكل متزايد؛ إذ يمكن أن تؤدي كلمة من أحد
المصرفيين في واشنطن أو برلين إلى جوع متقاعدين في اليونان، أو ترك شابٍّ لعائلته
ليقوم برحلة عبر أفريقيا جنوب الصحراء بحثًا عن حياة أفضل، غالبًا ما تبدو هذه العولمة
كأنها قوة هائلة غير شخصية، تعمل لصالح البعض، وتتعامل بقسوة مع البعض الآخر،
ويبدو أنه لا مناص منها.
يقول دارشيني: «يمكن
تعريف الاقتصاد العالمي بأنه جميع المعاملات والتفاعلات والمشتريات والاتفاقيات
التي تعتبر تجارة بشكل عام، بمرور الوقت، يتراكم تدفق الدخل الناتج عن تلك
العلاقات التجارية ليشكِّل الثروة، يتشكَّل الاقتصاد والقوى التي يحتويها من خلال
تصرفات الأفراد؛ سواء في دافوس أو في إحدى الأسواق بشوارع كلكتا، بطرقٍ قد لا
يقصدونها، ومع ذلك، ثمة شيء واحد مؤكد؛ نحن جميعًا خاضعون لهذه القوى، وسواء كان
بإمكاننا السيطرة عليها أم لا، فمن المهم معرفة كيفية عملها، وكيف تؤثر على حياتنا».
الدولار.. رمز القوة والنفوذ الأمريكي
ويؤكد دارشيني أن
وراء كل معاملة تجارية قصة، كل جنيه أو يورو أو ين ننفقه يروي قصة، ولكن مع التدفق
الدولي المستمر للأفراد والنقود والأفكار، قد يكون من الصعب تكوين فكرة عن مدى
الترابط بينها، لكن يمكننا فعل ذلك، من خلال تحليل القرارات والمنطق الكامن وراء
المعاملات التجارية، وتتبع تأثيرها».
إن الدولار هو
واجهة القوة والمصالح الأمريكية، إنه لا يجلب القوة الشرائية فحسب، بل يجلب النفوذ
أيضًا، إن امتلاك دولار، أو عدم امتلاكه، يمكن أن يملي الطريقة التي تعيش بها
الشعوب على الجانب الآخر من العالم، فلقد اشتهرت «دبلوماسية الدولار»؛ أي استخدام
الاستثمارات أو القروض الأمريكية للتأثير على السياسة في الخارج والوصول إلى
الأسواق الخارجية، في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، لكن وجودها أصبح محسوسًا في
جميع أنحاء العالَم منذ استقلال أمريكا.
العملة الأكثر موثوقية في العالم
ومن هنا يمكن
القول: إن الدولار يعتبر، على الرغم من ذلك، أكثر من مجرد رمز للقوة والنفوذ؛ إنه
أيضًا أحد أكثر مخازن القيمة ثقة في العالم، الدولار مستقر، ومن ثم فهو عملة بديلة
شائعة، وبالمثل، فهو المفضل لدى رجال الأعمال والساسة؛ إذ يتمتع بالقبول العام،
ويسهل إنفاقه، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالدولار هو أيضًا العملة الاحتياطية
في العالم.
فالدولار العملة
الأكثر موثوقية في كل مكان، سواء بالنسبة إلى البنوك اليابانية التي تخزن ثرواتها،
أو بالنسبة إلى تاجر من بنما يقايض في السوق، وحتى في روسيا السوفييتية، كان
الكثير من الناس يفضلون الدولار الأمريكي على الروبل الروسي.
أداة العولمة ولغة المال العالمية
يقول دارشيني: «ونظرًا
لأن الدولار العملة الأكثر موثوقية على وجه البسيطة، فقد أصبح أداة قوية لإنشاء
الاقتصاد العالمي الذي نحن جميعًا جزء منه، شئنا أم أبينا، تحدث العولمة لأننا
وجدنا طرقًا لربط الناس معًا؛ والدولار جزء أساسي من ذلك، إنه واجهة الاستقرار
(وعدم الاستقرار) المالي العالمي؛ وحجر الزاوية لبقائنا (أو عدم بقائنا).
إنه اللغة
المالية التي تعد أساسًا لحياتنا جميعًا، أيًّا كانت العملات الورقية والمعدنية
التي نستخدمها يوميًّا، إنه يدل على مدى ترابط مصائرنا جميعًا، باختصار، قد ننظر
إلى الدولار على أنه أداة العولمة، التي توزع الرخاء، ولكن ليس على الجميع».
هيمنة مستمرة وملاذ آمن
بعد عقد من
الزمان، لا تزال أمريكا المهيمنة، ولا تزال عملتها تحظى بشعبية دولية كما كانت
دائمًا، فالدولار الملاذ الآمن، ويبدو أن كل عاصفة جيوسياسية لا تفعل إلا أن تعزز
هذه السمعة، حيث إن العملة هي التعبير النهائي عن التفوق السياسي والاقتصادي
لأمريكا؛ وكما هو الواقع، فإن الدولار الواسع الانتشار يساعد أمريكا أيضًا في بسط
سطوة قانونها خارج حدودها.
رحلة لفهم سطوة الدولار
ختامًا، يؤكد
دارشيني أنه «حان الوقت إذن لتتبع الدولار في جميع أنحاء العالم، لإدراك قوته، وستشمل
رحلتنا عملات أخرى بجانب الدولار؛ اليورو، والروبية، والجنيه الإسترليني، على سبيل
المثال، وجميعها ذات صلة، لكني آمل أنه بتتبع النقود وهي تنتقل من شخص إلى آخر،
سواء ماديًّا أو إلكترونيًّا، يمكننا إلقاء بعض الضوء على أساس المعاملات التي
تشكل جميع جوانب عالمنا، كل سيناريو جزء مهم من أحجية ستكشف بالضبط كيف يعمل
عالمنا: من يمتلك القوة حقًّا، وكيف يؤثر ذلك علينا جميعًا».