والدة العاروري.. نموذج الأم الصابرة المحتسبة

د. عبدالله المشوخي

03 يناير 2024

3623

بادئ ذي بدء أتوجه بخالص الدعاء إلى الله العلي القدير بأن يرحم القائد الشهيد الشيخ صالح العاروري وإخوانه وجميع الشهداء رحمة واسعة وأن يتغمدهم بوافر رحمته ويرزقهم الله أجر الشهداء الأبرار . كما أسأله سبحانه وتعالى أن يربط على قلوب أهاليهم ويلهمهم الصبر والسلوان. ورغم كثرة الشهداء ومواقف أهاليهم المشرفة غير أن كلمات والدة الشهيد القائد صالح العاروري رحمه الله كانت بمثابة البلسم الشافي لمواساة كل مبتلى بموت عزيز له . فقد كانت كلماتها جامعة مانعة اختصرت المعنى الحقيقي لمفهوم الصبر الجميل وحقيقة الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره. فكيف بأم مكلومة بلغت من العمر عتيا وابتليت بفلذة كبدها حيث خطفه الاحتلال الهمجي النازي من بين يديها . لقد خطفوا فلذة قلبها النابض بالحنان نحو وليدها ليصبح قلباً فارغاً بعد سجنه مدة 18 عاماً. وبعد خروجه من غياهب السجن لم تهنأ بالعيش معه والأنس بجواره، فكان قدره النفي من أرض الوطن الذي سكن بقلبه قبل أن يسكن فيه. وبعد مضي سنوات مديدة من النفي تلقت نبأ استشهاده. تلقته بصبر جميل ورباطة جأش ورضا تام بقضاء الله وقدره. وأنقل للقارئ الكريم ردة فعلها لخبر وفاته حيث قالت حفظها الله ورعاها: شفت النسوان عابرات على بيتي وببكين فقلت: شو في شو في؟. قالوا: صالح استشهد. قلت: رحمه الله باركوا له. ثم قلت: لا تعيطوا ولا تزعلوا باركوا له بالشهادة. وطلبت حلوى وأمرت النساء يوزعوا الحلوى. الله يرحمه هذا حد عمره. مثله مثل أهل غزة ما هيهم ما ظلش فيها حدا. وحنا مسلمين أمرنا لله. وهو استطول حياته. وقال لي: في إلي أصحاب استشهدوا بس أنا ظليت. يعني حابب الشهادة كثير. والحمد لله نالها. والحمد لله رب العالمين.   ووالله الذي لا إله الا هو أن موقفها يذكرني بموقف نبي الله يعقوب عليه السلام عندما ابتلي بفقدان أبنائه فقال: (فصبر جميل). كما يذكرني بالمعنى الحقيقي واليقين لمعنى الإيمان بقضاء الله وقدره. فأي إيمان هذا الذي يحمل صاحبه على تصبير المعزيات لها وتنهاهن عن الحزن أو البكاء على فقدان فلذة كبدها. أي رباطة جأش هذه التي تجعلها تأمر النسوة بالمباركة احتفاء باستشهاد ابنها وتنهاهن عن البكاء عليه. أي طمانينة هذه وأي رضا بقدر الله بأن تطلب الحلوى وتأمر بتوزيعها إجلالاً باستشهاد ابنها. أي نوع هذا من أنواع التسليم لأمر الله عندما قالت: حنا مسلمين أمرنا لله. وأين صبر هذه الأم المكلومة أمام ردة فعل بعض الوعاظ والمفكرين فيما لو أصابهم ما أصابها! وبالنظر لموقفها المشرف تذكرت المعنى الحقيقي للفطرة السليمة. نعم إنها الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها تبقى نقية تقية صافية راضية بقضاء الله وقدره ما لم تتلوث بلوثة حب الحياة الدنيا أو تفسد بسبب أمراض القلوب أو تتعلق بمتاع زائل لا محالة. فهنيئاً لك أيتها الأم الصابرة المحتسبة. هنيئاً لك على ما رزقك الله من قوة إيمان. هنيئاً لك على ما كساك الله به من صبر جميل. هنيئاً لك على ما تحملينه من يقين راجح ورضى واسع بقضاء الله وقدره. هنيئاً لك بابن صالح له من اسمه نصيب. ويكفيك من صالح رحمه الله أنه كان يدعو لك في سجوده وإن شاء الله يكتمل بره لك باستشهاده كي يشفع لك عند الله سبحانه وتعالى.  

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة