وسائل التواصل الاجتماعي.. هل أصبحت تهدد العلاقات الأسرية والمجتمعية؟!

لا يزال الجدل قائمًا حول الدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في
ترابط العلاقات الأسرية أو تهديدها، بعدما أشارت دراسات حديثة إلى أن نسبة الأشخاص
الذين لا يقضون وقتًا كافيًا مع عائلاتهم وصلت إلى 54% عالميًا، بسبب الانشغال
المستمر بهذه المنصات.
فقد غزت وسائل التواصل ليس فقط الأسرة، بل كل فرد في المجتمع، حتى باتت
تهدد العلاقات بين الأفراد، إذ يدخل كل شخص عالمًا افتراضيًا يبعده عن التواصل
الواقعي؛ ما يؤدي إلى تجاهل الآخر وتوتر العلاقات.
بين الإيجابيات والسلبيات
لا يمكن إنكار الفوائد الجمة لهذه الوسائل، فهي تُقرّب المسافات بين
العائلات، وتسمح بمشاركة النقاشات العائلية، وقضاء أوقات التسلية، فضلاً عن فتح
نوافذ على الثقافات المختلفة، وتحقيق الانفتاح الفكري، وتطوير المعرفة، والتواصل
الاجتماعي.
لكن في المقابل، يشير خبراء إلى أن سوء استخدامها، أو الإفراط فيها، قد
يؤدي إلى آثار سلبية، أبرزها: ضعف العلاقات الأسرية، وتقليل الزيارات واللقاءات
العائلية، واغتراب نفسي بين الشباب ومجتمعهم، بل وأحيانًا تشجيع سلوكيات تتعارض مع
القيم المجتمعية والدينية.
تأثير على استقرار الأسرة
يؤكد مختصون أن الاستخدام المفرط وغير المنضبط لمواقع التواصل قد يساهم في
تراجع الحوار الأسري، وغياب مشاعر الألفة، وزيادة معدلات الطلاق، إذ أصبحت الهواتف
الذكية في أيدي جميع أفراد الأسرة، ولكل منهم عالمه الخاص؛ ما يؤدي إلى تآكل
العلاقات الأسرية، ويهدد استقرارها.
وأشارت دراسات حديثة إلى أن سوء استخدام هذه الوسائل أصبح السبب الأول في
زيادة حالات الطلاق في المحاكم العربية، بسبب ما يسمى بـ«الخيانة الرقمية» وسهولة
الانفتاح على علاقات غير مشروعة.
غياب الخصوصية
ويلفت خبراء إلى أن نشر تفاصيل الحياة الخاصة على وسائل التواصل قد يؤدي
إلى تعرض الأزواج للابتزاز والمقارنات مع الآخرين، على حساب العلاقات الزوجية
السليمة، بما قد يُنذر بتفكك الروابط الأسرية وانهيارها.
تحذير من الانزلاق
ويحذر مختصون اجتماعيون من الانغماس في هذه الوسائل إلى درجة تهدد كيان
الأسرة والمجتمع، داعين إلى توعية الأفراد عبر وسائل الإعلام والمؤسسات الاجتماعية
حول كيفية الاستخدام الصحيح والآمن لهذه المنصات.
المضف: المراهقون في خطر والسطحية لا تكفي
وفي هذا السياق، شددت الكاتبة ندى مهلهل المضف، في مقال لها بجريدة «القبس»،
على أن وسائل التواصل باتت تشكل تحديًا كبيرًا أمام استقرار الأسرة، خاصة في ظل
غياب الرقابة الذاتية والاستخدام المفرط لها.
وأضافت أن مرحلة المراهقة هي الأخطر في هذا الجانب؛ لأنها تمثل مرحلة بناء
الشخصية واكتساب القيم، وفيها يكون الأبناء عرضة لمؤثرات عديدة قد تُربك هويتهم
وقيمهم.
وأوضحت المضف أن الكثير من الأسر تكتفي بمعالجة ظواهر سطحية مثل تقليل عدد
ساعات الاستخدام أو مصادرة الأجهزة، دون الالتفات إلى الجوانب الأعمق للمشكلة،
كغياب الحوار الأسري، أو تعرض المراهقين للعنف أو التنمر أو التحرش، أو حتى تأثرهم
بالمحتوى غير اللائق.
وأضافت أن الأسرة يجب أن تكون حاضنة تربوية لأبنائها، من خلال بناء الثقة
وتعزيز القيم والمبادئ الإيجابية، بدلاً من الاكتفاء بالعقوبات أو اللوم، مشيرة
إلى أن المراهقين الذين يجدون الدعم النفسي والاجتماعي داخل الأسرة يكونون أقل
عرضة للانجراف نحو السلوكيات الخاطئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وشددت المضف على ضرورة تكاتف الجهود بين المدرسة والمؤسسات الاجتماعية
والإعلامية لتوعية الأهل، وتدريبهم على كيفية التعامل مع هذه التحديات الحديثة،
مؤكدة أن الوقاية تبدأ من المنزل، عبر التوعية المبكرة والحوار البناء.
العنزي: إفشاء الأسرار الزوجية خطر قانوني ومجتمعي
ومن جانبه، حذر المحامي مشاري عبيد العنزي، في موقعه الإلكتروني، من خطورة
إفشاء أسرار الحياة الزوجية أو العائلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موضحًا أن
هذه الظاهرة أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الأسر وتماسكها، خاصة مع تزايد
حالات الطلاق التي تصل إلى المحاكم بسبب «الخيانة الرقمية» أو الانفتاح على علاقات
غير مشروعة.
وأشار العنزي إلى أن القانون الكويتي يعتبر إفشاء الأسرار الخاصة جريمة
يعاقب عليها، إذ نصت المادة (232) من قانون الجزاء على تجريم إفشاء الأسرار
المؤتمن عليها متى تسببت في إلحاق الضرر بالطرف الآخر، سواء كان ماديًا أو
معنويًا.
وأضاف أن نشر تفاصيل الحياة الخاصة عبر هذه المنصات قد يفتح الباب للابتزاز
أو المقارنات أو تهديد الطرف الآخر؛ ما يزيد من معدلات النزاعات الأسرية والطلاق.
وأوضح العنزي أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تكتفي بتسجيل المواقف، بل قد
تحتفظ بأدلة رقمية تُستخدم لاحقًا في النزاعات القضائية، سواء من خلال رسائل نصية
أو تسجيلات صوتية أو صور، وهو ما يزيد من خطورة الأمر.
ودعا إلى ضرورة توعية الأزواج والمراهقين بخطورة الاستخدام غير الآمن لهذه
الوسائل، والعمل على رفع مستوى الثقافة القانونية لدى الأفراد؛ ليتجنبوا الوقوع في
مشكلات هم في غنى عنها، مؤكدًا أن الخصوصية حق لكل فرد يجب احترامه، وأن أي تجاوز
قد يعرّض صاحبه للمساءلة القانونية والعواقب الاجتماعية.
ويؤكد الخبراء أن قوة المجتمعات تُقاس بمدى متانة الأسرة والعلاقات بين
أفرادها؛ لذلك، ينبغي للجميع التعاون لإصلاح هذا الوضع عبر ترشيد استخدام وسائل
التواصل، وتعزيز الحوار الأسري، والابتعاد عن الاستخدام السلبي الذي قد يقود إلى
التفكك والعزلة.