والله يسمع تحاوركما

د. موسى زايد

10 يونيو 2025

133

هذا جزء من آية في سورة «المجادلة» التي نزلت الآيات الأولى منها في شأن خلاف عائلي في أحد بيوت الصحابة الكرام بين خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت رضي الله عنهما قال لها أوس وهو في شدة غضبه: «أنت عليَّ كظهر أمي»، وهو يمين كانوا يستعملونه في الجاهلية، وبموجبه تبقى الزوجة عنده لا يقربها، فقد حرَّمها على نفسه ولا تطلق منه فتتزوج غيره، وكان هذا إحدى المظالم التي تتعرض لها المرأة في الجاهلية.

ذهبت خولة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن زوجها ظاهر منها بعد أن بذلت له شبابها، وحتى هذا الوقت لم يكن هناك تشريع في هذا الأمر.

النبي صلى الله عليه وسلم يحاول تهدئتها ويوصيها بزوجها وابن عمها، والمرأة تشعر بالغصة في حلقها وتشكو حالها بلسانها، فنزلت هذه الآيات وهي في حجرة عائشة ولم تغادر مكانها: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {1} الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ {2} وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {3} فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المجادلة: 1).

ومما نتعلمه من آيات سورة «المجادلة»:

أن الله عز وجل قدم هذا الأمر الذي يخص الأسرة وتماسكها على قضايا أخرى مهمة تناولتها السورة من قبيل قضية الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين والمنافقين، ومن قبيل آداب المجالس والإفساح فيها، ومثل آداب النجوى والأحاديث الجانبية، بل وجعل هذه القصة مدخلاً للحديث عن أمر الإيمان بالرقابة الإلهية وعلم الله المحيط وإحصائه لما يصدر عن العباد من أقوال وأفعال.

تشير الآيات إذن لأهمية التماسك الأسري الذي يقوم على الإنصاف وعدم الظلم وسرعة حل المشكلات قبل أن تتفاقم.

وفيها كذلك أن المسلم عليه أن يعود إلى الإسلام في كل أموره وفي حل جميع مشكلاته، مثلما سعت المرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ولعل هذا الأمر بالذات هو أحد أسباب ضعف المسلمين الآن، أنهم يبحثون حلولاً لمشكلاتهم في أنظمة وافدة هي التي أوجدت تلك المشكلات مثلما أوجدت الجاهلية الأولى مشكلة «الظهار».

وتشير الآيات إلى الحضور الإلهي واطلاعه سبحانه على ما يبطن المرء من نوايا أو ما يظهر من أفعال.

بداية الآيات بقوله تعالى: «قد سمع» يفيد التحقيق من ناحية، والاستجابة والإقرار بالظلم الذي وقع على المرأة ويبشرها بحل مشكلتها قبل أن يعلن عن طريقة الحل، ونظير هذا عندما يقول المسلم وهو يرفع رأسه من الركوع: «سمع الله لمن حمده»؛ فالأمر هنا أعظم من مجرد السماع -وهو متحقق- بل هو احتفاء بالحامدين وتقدير لهم وتعظيم لما يفعلون.

ومما تشير إليه الآيات ما زرعه الإسلام في نفوس أبنائه من عدم قبول الظلم ولو كان من أقرب الناس، والتماس العدل والحفاظ على الكرامة الإنسانية.

في آية واحدة جمع الله عز وجل بين الفعل الماضي المسبوق بـ«قد» التي تفيد التحقيق «قد سمع»، والفعل المضارع الذي يفيد الحال والاستقبال؛ «والله يسمع»، واسمي الله عز وجل السميع والبصير؛ «إن الله سميع بصير»، ويلاحظ الحضور القوي للفظ الجلالة في المواضع الثلاثة: «قد سمع الله»، «والله يسمع»، «إن الله سميع بصير».

وتشير الآيات إلى أن الإسلام نظام شامل وتشريع متكامل وهو يقيم المجتمع النموذج الذي يتأسس على الأسرة المتماسكة المتحابة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة