10 من مكفرات الذنوب عند ابن تيمية

ذكر ابن تيمية(1) 10 مكفرات للذنوب نتناولها في هذه السطور:

أولاً: التوبة:

التوبة هي المكفر الأول للذنوب، كما اتفق علماء المسلمين، انطلاقاً من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، ويكفر بها الله عز وجل كافة الذنوب إذا كانت توبة نصوحاً، لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31)، وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً {69} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان).

وأما شروط التوبة التي تمحو تلك الذنوب فهي:

- الندم على ما وقع من المعاصي.

- الإقلاع عن الذنب.

- العزم الصادق على عدم العودة.

- إعادة الحقوق لأهلها إذا كانت المعاصي في حق العباد.

ثانياً: الاستغفار:

قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 135).

قال عبدالله بن مسعود: في كتاب الله عز وجل آيتان ما أذنب عبد ذنباً فقرأها واستغفر الله عز وجل إلا غفر الله تعالى له ثم ذكر الآية السابقة، ومن الآيات الدالة على فضل الله عز وجل وتكرمه بغفران الذنوب: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: 110).

والاستغفار من أهم أسباب تكفير الذنوب كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أذنب عبدٌ ذنبًا فقال أي رب أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي» (متفق عليه).

ثالثاً: الحسنات الماحية:

قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود: 114)؛ والحسنات الماحية هي الأعمال الصالحة التي يؤديها المسلم بشكل يومي وعلى مدار الساعة من فرائض ونوافل يتطوع بها المسلم، وهذه الأعمال كالوضوء، والصلوات الخمس، والحج والعمرة.

رابعا: دعاءُ المؤمنين للمؤمن:

ودعاء المؤمنين الصالحين للمسلم سبب ومدعاة لتكفير ذنوبه، ولن يبلغ أحد هذه الدرجة من شموله لدعاء الصالحين إلا أن يكون في ذاته هو صالحاً، مستجيباً لنداءات ربه، منخرطاً في حياة الصالحين ويفعل فعلهم، قد يسقط مرة، قد يخطئ أحياناً، لكنه سرعان ما يعود بالتوبة والاستغفار ومواظبته على الطاعات، فعن عائشة، وأنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِعُوا فيه» (رواه مسلم).

خامساً: ما يعمل للميت من أعمال البر:

وحين يموت المسلم، ينقطع عمله كما تنقطع أنفاسه، لكن الله عز وجل يفتح أبواب رحمته لمن مات ليكفر عن ذنوبه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

سادساً: شفاعة النبي(2):

وللنبي صلى الله عليه وسلم في القيامة 3 شفاعات؛ الأولى: فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء؛ آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه، وأما الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له.

وأما الثالثة: فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.

ويُخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة؛ بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة.

سابعاً: المصائب التي يُكَفِرُ الله بها الخطايا في الدنيا:

فعن ابن مسعود قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً، قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم»، قلت: ذلك أن لك أجرين، قال: «أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى؛ شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها» (متفق عليه).

كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما يُصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصب ولا همٍ ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» (متفق عليه).

ثامناً: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة(3):

أي: التخويف، فما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الألم التي هي عذاب، فإن ذلك يُكفِّر الله به خطاياه، ويقول ابن تيمية: ما يدفع الله به العقوبة عن العاصي هو: الفتنة، والمقصود سؤال منكر ونكير حين يسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وكل هذا امتحان يحصل له به تعب، فإذا حصل له التعب كفر الله من خطاياه، مثل الإنسان الذي يمتحن في الدنيا ويحصل له تعب من الامتحان، فكذلك هنا هذا التعب يكفر الله به من الخطايا(4).

تاسعاً: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها:

وما من هول أو شدة إلا والمسلم مأجور عنها، ومن هذه المواقف التي تكفر الذنوب يوم القيامة، حين يعبر المسلمون الصراط، كما ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقْتَصَّ من بعضهم لبعضهم» (أخرجه البخاري).

عاشراً: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد:

وبعد أن ينتهي الحساب، وتنتهي الشفاعات التي يأذن بها الله عز وجل يوم القيامة لعباده، تأتي الشفاعة الكبرى من رب العالمين لمن يشاء من عباده المؤمنين، فيدخل برحمته الجنة من يشاء.





________________________

(1) مجموعة فتاوى ابن تيمية، ج7، ص487-501.

(2) شرح العقيدة الواسطية محمد خليل حسن هراس، ج1، ص247.

(3) مجموع الفتاوى (24/ 375).

(4) شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية (الراجحي)، ج17، ص7.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة