10 معينات على العبادة في رمضان

فاز من أحسن اغتنام الأيام المباركة بإحسان العمل فيها، حتى يحقق الغاية من العبادة، وهي الفوز برضا الله تعالى ودخول الجنة، ومن أعظم مواسم الطاعة شهر رمضان المبارك، ففيه تتضاعف الحسنات، وتغفر السيئات، وتفتح أبواب الجنات، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيما يأتي بيان بعض المعينات التي تسهم في حسن اغتنام رمضان بالطاعة والعبادة.

1- التخطيط:

يساعد التخطيط في تنظيم الوقت والاستفادة منه على أفضل ما يكون، ويمكن التخطيط لرمضان من خلال إعداد النوايا الصالحة، ووضع جدول يومي للعبادات التي تتكرر يومياً، وكذلك جدول يتناسب مع الشهر الكريم كله، بحيث يحدد المسلم فيه ما يقدر على أدائه من العبادات والذكر والقيام وقراءة القرآن، مع التقليل من الملهيات، أو التخطيط الجديد لمواجهتها.

وتأتي نتيجة هذا التخطيط وثمرته إيجابية، حين يلتزم الإنسان بما خططه لنفسه، بدلاً من تضييع الوقت في كل ما يخطر بالبال أو يطرأ على الواقع.

2- الاهتمام بصحة البدن:

تحتاج العبادة إلى بدن قوي يستطيع أداءها دون كسل أو ملل، والصيام يساعد في بناء الصحة القوية القادرة على الإتيان بالعبادة، إذا اهتم الإنسان بالتغذية السليمة، دون الإكثار من تناول الأطعمة، فهي تؤدي إلى الخمول والكسل.

قال محمد بن واسع: ‌من ‌قلّ ‌طعامه، ‌فهم، وأفهمَ، وصفا، ورقّ وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد(1)، كذلك يستعين المسلم بالراحة والنوم، من أجل الإعانة على القيام والصيام، وما يستعين به كذلك من ممارسة الرياضة اليسيرة التي تحفظ للجسم نشاطه وللعقل قوته وتركيزه.

3- صحبة الصالحين:

تعد الصحبة الصالحة من المعينات على أداء العبادة، فالنفس تأنس بمن حولها، وتسعى إلى تقليدهم، حتى إن الطباع يعدي بعضها بعضاً، وقد أمر الله تعالى بلزوم صحبة الخير، حيث قال عز وجل: (‌وَاصْبِرْ ‌نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28)، فإذا وجد المسلم صحبة صالحة فإنها تعينه على طاعة الله، قال الأصبهاني عن جعفر صاحب محمد بن واسع: كنت إذا وجدت ‌من ‌قلبي ‌قسوة ‌نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة(2)، فإذا أراد المسلم أن يغتنم رمضان بالاجتهاد في العبادة؛ فعليه أن يصاحب المجتهدين، فإنهم يعينوه على ذلك.

4- المداومة على العمل الصالح ولو كان قليلاً:

يعد الإسراف في الطاعة من عوامل الابتعاد عنها، حيث إن النفس تمل من كثرة الضغط عليها؛ لذا كان الأجدى في التعامل معها أن يحدد المسلم لنفسه عملاً ولو كان قليلاً، لكنه يلتزم به ويحافظ عليه، فليس من الجيد أن يبدأ المسلم في أوائل أيام رمضان بالانقطاع للقراءة والقيام، ثم تمل نفسه مع الوقت فينقطع عن القراءة والعبادة، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، ففي صحيح مسلم عَنْ ‌عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ ‌أَدْوَمُهُ ‌وَإِنْ ‌قَلَّ».

5- استشعار الثواب:

إذا استشعر المسلم جزاء العمل وثوابه؛ فإنه يبادر إلى فعله، هذا في العموم، فما بالنا برمضان، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتغفر السيئات، وترتفع الدرجات، وتستجاب الدعوات، إلى غير ذلك مما هو ثابت في أحاديثه صلى الله عليه وسلم، فإذا أدرك المسلم ذلك واستشعره في رمضان فإنه لا يدخر جهداً أو وقتاً في سبيل الزيادة من الأعمال الصالحة التي يترتب عليها هذا الجزاء العظيم.

6- الوقوف على أحوال النبي في رمضان:

إن الناظر في حاله صلى الله عليه وسلم في رمضان يجد أنه كان يكثر فيه من العبادة، ويخصه بعبادات عظيمة، كقراءة القرآن الكريم، والصدقة والاعتكاف وتحري ليلة القدر، والقيام، بل كان صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه وأمته من بعده ثواب هذه الأعمال حتى ينشطوا لها، فيحوزوا أجرها، بالإضافة للاقتداء به صلى الله عليه وسلم.

7- مطالعة سير الصحابة والتابعين في رمضان:

لقد اجتهد الصحابة في رمضان أكثر من غيره، حيث إنهم أدركوا فضله، وعايشوا النبي صلى الله عليه وسلم، ورأوا حرصه واهتمامه به، فاجتهدوا في العبادة، حيث كانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، ويتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان، وإطعام الطعام وتفطير الصوام، وكانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الله في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله.

8- مجاهدة النفس:

تميل النفس إلى الكسل، وتركن إلى الراحة، ومن ثم فإنها تحتاج إلى المجاهدة والعمل حتى تفيق من سباتها، وتدرك منازل الصالحين، ففي صحيح مسلم عَنْ ‌أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، ‌وَحُفَّتِ ‌النَّارُ ‌بِالشَّهَوَاتِ»، وإن المجاهدة في رمضان تعين المسلم على توطين نفسه في سبيل الله، وعدم الاستسلام للشهوات، وقد وعد الله تعالى أهل المجاهدة بالإعانة والهداية، فقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ‌لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69).

9- قصر الأمل:

يعين المسلم على الاجتهاد في العبادة في رمضان أن يتوقع قرب رحيله ونهاية أجله، وأنه قد لا يدرك بعد عامه هذا أعواماً أخرى، فيها شهر رمضان وليلة القدر، وهنا يسارع إلى مرضاة الله تعالى وحسن عبادته، مستجيباً لأمر ربه سبحانه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران).

10- الاستعانة بالله:

إن هذه الوسائل والمعينات التي سبق ذكرها لا تجدي شيئاً إذا لم يستعن المسلم بربه تعالى، فعلى المسلم أن يدعو الله تعالى بالعون والتوفيق والرشاد، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بدوام طلب العون منه سبحانه، ففي مسند أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فلَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ ‌أَعِنِّي ‌عَلَى ‌ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»، فإذا دعا المسلم ربه فقد فتح الله له أبواب الخير، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «‌مَنْ ‌فُتِحَ ‌لَهُ ‌مِنْكُمْ ‌بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ».





__________________

(1) جامع العلوم والحكم، ص 553.

(2) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 347).


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة