أحب الكلام إلى الله تعالى

4 كلمات تمحو الخطايا والزلات


 

ليس في عبادات القلوب أرقُّ على الروح، ولا أسكن للقلب، ولا أبعثُ على الطمأنينة من ذكر الله تعالى؛ فهو أُنس المحبّين الذي يفزعون إليه كلما أطبقت عليهم ظلماتُ الدنيا، وهو نسيم القرب الذي ينعش أرواح الصادقين كلما لفحتها شمس الغفلة، وحر المعصية.

عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «مرَّ رسولُ اللهِ ﷺ بشجرةٍ يابسةِ الوَرَقِ، فضربها بعصاهُ فتناثرَ الورقُ، فقال: إنَّ الحمدَ للهِ، وسُبحانَ اللهِ، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبر، لَتُسَاقِطُ من ذُنوبِ العبدِ كما تَسَاقَطُ ورقُ هذه الشجرةِ» (رواه أحمد والترمذي)

 

من ملامح الجمال في الحديث

يمر النبيُّ ﷺ بشجرةٍ جفّت أغصانها، ويَبِسَت أوراقُها، فيلمسها بعصاه لمسة خفيفة، فتتناثر أوراقُها تناثرًا لا تَملِك معه بقاءً على الأغصان، في مثال واقعي يخاطب العقول والقلوب في آن، ثم يكشف اللثام عن كنز من كنوز ذكر الرحمن، فيقول: «إن الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لَتُسَاقِطُ من ذُنوبِ العبدِ كما تَسَاقَطُ ورقُ هذه الشجرةِ».

وكأنها ليست مجرد كلمات تسمع أو أصوات تتردّد، بل مفاتح نورٍ تُفتح بها خزائنُ المغفرة ويزال بها غيم المعصية، حتى جعلت السامع يرى ذنوبه وكأنها أوراقٌ يابسة، تتهاوى أمام ناظريه متحطمة حين ضربتها رياح الذكر والعفو فتمحو أثرها.

 

من دلالات التشبيه النبوي:

وفي تشبيه النبي ﷺ ذنوب العبد المؤمن بأوراق شجرة يابسة دلالات لطيفة:

1-أن ذنوب العبد المؤمن ضعيفة، وأن وقوعه فيها يكون لضعف بشري أصابه، لا حبًا في العصيان، لذا فهي ليست متمكنة من قلبه، بل ضعيفة كضعف أوراق هذه الشجرة اليابسة.

2-سعة عفو الله تعالى ورحمته، فلئن كانت الضربة الواحدة للشجرة تسقط كمًَا كبيرا من الورق، فإن الإتيان بهذه الكلمات جدير أن يمحو من ذنوب العبد ما لا يعلمه إلا الله.

3-أن سقوط الورق اليابس ينظف الشجرة ويهيؤها للإنبات والإزهار مرة أخرى، وكذا قلب المؤمن إذا طهر من الذنوب والمعاصي، فإنه ينير ويزهر بأنوار الطاعة.

 

فضل الكلمات الأربع:

روى مسلم عن سمرة بن جندب، أن رسول الله قال: (أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ..)

وفي المسند من حديث أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال:

إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ اصطَفى مِن الكَلامِ أَربعًا: سُبحانَ اللهِ، والحَمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أَكبَرُ. قال: ومَن قال: سُبحانَ اللهِ كُتِبَ له عِشرون حَسَنةً، وحُطَّ عنه عِشرون سَيِّئةً، ومَن قال: اللهُ أَكبَرُ فمِثلُ ذلك، ومَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ فمِثلُ ذلك، ومَن قال: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين مِن قِبَلِ نَفْسِه؛ كُتِبَ له بِها ثَلاثون حَسَنةً، وحُطَّ عنه بِها ثَلاثون سَيِّئةً.

أسرار الكلمات الأربع:

أولًا: (الحمد لله)

كلمة مباركة، تشتمل على الثناء والدعاء معًا، جعلها الله فاتحة أم الكتاب، ونورًا للعباد في المعاش والمعاد، قال تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

أعظم ثناء، وأفضل دعاء، يتقرب به العباد لرب الأرض والسماء، ففي الحديث: (أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله) (رواه الترمذي)

الحمد لله: يلهج بها لسان العبد الضعيف الفقير، فيتجاوب معه سبحانه وهو الغني القدير، (فإذا قال العبد: الحمد لله ربّ العالمين، قال الله: حمدني عبدي) (رواه مسلم)

الحمد لله: إخبار عن محاسن المحمود سبحانه إخبارًا ممزوجًا بحبه وإجلاله وتعظيمه، فمحاسنه تعم جميع الكائنات، في البر والبحر وفي السماء والأرض، تبدو محاسنه في لطفه وعلمه وعزته وقدرته وحكمته، وفي بره وجوده وفضله وعطفه ومنته، لا يسع قلوب العارفين إلا حمده حمدًا ممزوجًا بجلاله وكماله وعظمته.

الحمد لله: سبيل الرضا من الرب على عباده الحامدين، فما ازداد عبد حمدًا له إلا فتحت له أبواب العطاء من رب العالمين (إنَّ اللَّهَ ليَرضى مِن العبدِ أن يأكُلَ الأَكلَةَ فيحمَدَهُ عليها ويشرَبَ الشَّربَةَ فيحمَدَهُ علَيها) (رواه مسلم)

 

ثانيًا: (سبحان الله)

روى أبو داوود عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] قَالَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ»" (رواه أبو داوود، ضعفه الألباني)

سبحان الله: كلمة عظيمة تجمع بين قول اللسان واعتقاد الجنان بأن الله عز وجل منزه عن كل نقص ومبرأ من كل عيب وامتهان، بها تحيا القلوب كما تحيا بالهواء الأبدان، ولعظم شأنها عند ربنا ألهم التسبيح أهل الجنان، (يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والْحَمْدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ)

افتتحت بالتسبيح سبع سور، وختمت به أربع سور، وفي تسعين موضعا من القرآن تكرر، لا يوصف به أحد من البشر، مهما علا كعبه أو تجبر واقتدر، بل هو حق لله على كل مخلوق مهما عظم أو صغر، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)

فسُبْحَانَ من تَعَطَّفَ العِزَّ وَقَالَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْمَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ من لاَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ، سُبْحَانَ ذِي الفَضْلِ وَالنِّعَمِ، سُبْحَانَ ذِي الْمَجْدِ وَالكَرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

 

ثالثا: (لا إله إلا الله)

شهادة النجاة وكلمة التوحيد، من قالها كاذبًا حقنت في الدنيا دمه وحفظت عليه ماله من التهديد، ومن قالها صادقا وعمل بما تقتضي سعد في الدارين ونجا من الوعيد، (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).(رواه البخاري)

لا إله إلا الله: لأجلها قامت الأرض والسماوات، وخُلقت جميعُ المخلوقات، وبها أُرسلت الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، وشُرعت الشرائعُ، ولأجلها نُصبت الموازين، ووُضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجّار.

لا إله إلا الله: هي منشأ الخلق والأمر، والثواب والعقاب، وهي الحق الذي أسست عليه الملّة ونُصبت القبلة، وعنها يُسأل الأولون والآخرون يوم القيامة، فلا تزول قَدَما عبدٍ بين يدي الله حتى يُسأل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسَلِين؟

فجواب الأولى: بتحقيق كلمة التوحيد لا إله إلا الله علماً وإقرارًا وعملاً.

وجواب الثاني: بتحقيق أنَّ محمدا رسول الله علماً وإقرارًا وانقيادًا وطاعةً (1)

 

رابعًا: (الله أكبر)     

أبلغ لفظة قالتها العرب في معنى التعظيم والإجلال، فهي ليست طيفًا يمر بالخيال، لكنها المفتاح إذا أغلقت الأبواب، وحبل النجاة إذا انقطعت الأسباب، وإعلان المهموم أنَّ اللهَ أكبرُ من كلِّ غم يُقلِقه، وكلِّ مرض يُرهقُه، وكلِّ شهوة تفتنه، وكلِّ شاغل يصرِفُه، فهي وصف لله بأنه أكبر وأجل وأعظم من كل أحد ومن كل شيء.

أمر الله تعالى نبيه بالتكبير، فقال سبحانه: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) وقال: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).

وكَان من هديه ﷺ أنه إذا صعد مرتفعًا كبر الله، وإذا تعجب أو رأى ما يسره كبر، وإذا رأى حريقًا كبر، وإذا أقبل العشر من ذي الحجة كبر، وإذا رمى الجمار كبر، وإذا حضر العيد كبر، وإذا أذن للصلاة كبر، وإِذَا دخل في الصّلاة كبر، فبالتكبير تُفتتح الصلاة، وبه ينهض العبد من ركنٍ إلى ركن، وكأن التكبير سلّمٌ نورانيٌّ يصعد بالقلب من الأرض إلى السماء، ومن الضوضاء إلى الصفاء

 

وختامًا: فهذه كلمات أربع، اختصها الله عز وجل بحبه، وارتضاها ذكرا له من عبده، فطوبي لمن رطب لسانه بحروفها، وداوم على ذكر الله بها.

 

--------------------

 

1(فقه الأذكار والأدعية عبد الرزاق البدر)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة