4 وسائل للتخلص من الغفلة

 

من أخطر ما يصاب به الناس، أن يغفلوا عن ربهم سبحانه وتعالى، حيث إن الغفلة تغلق أبواب الخير، وتفتح أبواب الشر، وتؤدي إلى الهلاك والخسران. وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ ‌الْغَافِلُونَ) (الأعراف:179). فالغفلة تعطل أدوات الإدراك وتؤدي إلى الهلاك، فلما غفل فرعون ومن معه وكذبوا؛ أهلكهم الله بالغرق، حيث قال تعالى: (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا ‌غَافِلِينَ) (الأعراف:136).

كما أن الغفلة طريق إلى النار. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا ‌غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يونس:7-8). فمن غفل عن ربه وانشغل بالدنيا فمصيره إلى النار، وساعتها يتحسر في يوم الحسرة على هذه الغفلة، قال تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي ‌غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (مريم:39). وقال تعالى: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي ‌غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأنبياء:97).

فإذا كان هذا مصير الغافلين؛ فما السبل التي تسهم في نجاة المسلم من الغفلة؟
السبل التي تسهم في نجاة المسلم من الغفلة:

1-المحافظة على الصلوات:

الصلاة حصن الوقاية من الغفلة، وبوابة الاتصال الدائم بالله تعالى. فقد روى الحاكم في المستدرك بسند صححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ‌لَمْ ‌يُكْتَبْ ‌مِنَ ‌الْغَافِلِينَ». وكذلك الحرص على قيام الليل يحمي الإنسان من الغفلة، فقد روى أبوداود بسند صححه الألباني، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ ‌لَمْ ‌يُكْتَبْ ‌مِنَ ‌الغَافِلِينَ».

2- مداومة ذكر الله وقراءة القرآن الكريم:

يحمي الذكر صاحبه من الغفلة، حيث قال تعالى: (‌وَاذْكُرْ ‌رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الكهف:24)، وقال عز وجل: (‌وَاذْكُرْ ‌رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف:205). والذكر هو مفتاح الصحوة القلبية، ودواء النسيان الروحي، وهو من أعظم علامات الإيمان، والطريق إلى طمأنينة القلب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ‌أَلَا ‌بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)، فإذا ذكر المسلم ربه اطمأن قلبه وزاد إيمانه، ومن كان هذا حاله، فقد نجا من الغفلة وفاز باليقظة.

قال ابن القيم في الوابل الصيب: على قدر غفلة العبد عن الذّكر يكون بعده عن الله. وقال أيضا: إنّ الغافل بينه وبين الله، عزّ وجلّ، وحشة لا تزول إلّا بالذّكر.

وخير الذكر هو القرآن الكريم، حيث قال تعالى: (وَهَذَا ‌ذِكْرٌ ‌مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ) (الأنبياء:50). وقد أكدت السنة النبوية الشريفة أن قارئ القرآن ناج من الغفلة، ففي مسند الدارمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ بِخَمْسِينَ ‌آيَةً، ‌لَمْ ‌يُكْتَبْ ‌مِنَ ‌الْغَافِلِينَ». وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «من قرأ في ليلة بمائة ‌آية ‌لم ‌يكتب ‌من ‌الغافلين». وفي هذا دليل على أن تعهد القرآن الكريم بالقراءة يحمي من الغفلة.

3-حضور الجنائز وتذكر الآخرة:

إن حضور الجنائز وزيارة المقابر من شأنها أن ترقق القلب وتحميه من الغفلة، حيث يتذكر الإنسان مصيره المحتوم، وفي هذا تذكير بضرورة الإفاقة من الغفلة، والإقبال الصادق على الله تعالى. قال عز وجل: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي ‌غَفْلَةٍ ‌مِنْ ‌هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق:20-22). وقد دعت السنة النبوية إلى حضور الجنائز، لأنها تذكر الإنسان بالآخرة وتسهم في نجاته من الغفلة عنها، ففي سنن ابن ماجه بسند صححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا ‌تُذَكِّرُكُمُ ‌الْآخِرَةَ».

4- مصاحبة الصالحين.

يسهم الحذر من مصاحبة الغافلين، مع الحرص على مصاحبة الصالحين في التخلص من الغفلة، فقد قال الحق سبحانه وتعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28). فصحبة الصالحين معينة على الطاعة وداعية إليها، حيث يتنافس الصالحون في الإكثار من طاعة الله والقرب منه، وهي بيئة معينة على نجاة المسلم من الغفلة. كما أن الصحبة الصالحة التي تتعاون على طاعة الله، هي مما يُباهي الله به ملائكته، ففي صحيح مسلم، عَنْ ‌أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: «خَرَجَ ‌مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: ‌مَا ‌أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ قَالَ: آللهِ ‌مَا ‌أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ‌مَا ‌أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ: آللهِ ‌مَا ‌أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ».

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة