5 أخطار للتشبه بين الرجال والنساء

سعيًا للخروج عن المألوف، واستجلاب الغرائب، واستساغة العجائب؛ يخرج في
مجتمعاتنا من يتنازل عن رجولته، متشبهاً بالنساء في الأقوال والأفعال، أو من
تتنازل عن أنوثتها، متشبهة بالرجال، ونعني بالتشبه أن يتكلّف الإنسان مشابهة غيره
في كلّ أو بعض ما يتّصف به.
وحتى يكون هذا التشبه مذموماً يشترط فيه أن يصدر من صاحبه وهو قاصد له،
بمعنى أن يكون باختياره، ويكون عازماً عليه لغرض في نفسه، فهو لم يتشبه بغيره عن
غير قصد، كما يشترط أن يكون التشبّه فيما يتميّز به أحد الجنسين عن الآخر، أو أن
يكون عادةً وطبعاً في الجنس الآخر، أو جاء النّص بتخصيصه لأحدهما.
وهذا تصرف مرفوض بالفطرة السليمة، والعقل الرشيد، وأحكام الشريعة الغرّاء،
وذلك لما يترتب عليه من أخطار ومفاسد متعددة، منها:
1- اللعن الإلهي والنبوي:
أكدت السُّنة النبوية أن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال من كبائر
الذنوب، حيث لا يترتب الوعيد الشديد واللعن الأكيد إلا لمن ارتكب كبيرة من
الكبائر، إذ اللعن يعني الطرد من رحمة الله.
فقد روى أحمد، والطبراني، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ
الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
بِالرِّجَالِ»، وروى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَعَنَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ،
وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ»؛ والمقصود بالمخنثين من الرجال المتشبهون
بالنساء في الملبس والصوت والكلام والزينة وسائر الحركات والسكنات، مما هو من شأن
النساء، فهذا الفعل منهي عنه للرجال.
كما نُهيت عنه النساء أيضًا، فقد روى أبو داود عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قالت: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ»، وروى أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ
الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»؛ قال العيني في «عمدة
القاري»: تشبّه الرِّجَال بِالنسَاء فِي اللبَاس والزينة الَّتِي تخْتَص بِالنسَاء
مثل: لبس المقانع، والقلائد، والمخانق، والأسورة، والخلاخل، والقرط، وَنَحْو
ذَلِك، مِمَّا لَيْسَ للرِّجَال لبسه، وَكَذَلِكَ لَا يحل للرِّجَال التَّشَبُّه
بِهن فِي الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ مَخْصُوصَة بِهن كالانخناث فِي الْأَجْسَام
والتأنيث فِي الْكَلَام وَالْمَشْي.
2- الخروج عن الفطرة:
حين خلق الله تعالى الناس جعلهم ذكوراً وإناثاً، وجعل لكل جنس منهما خصائص
وصفات تميزه عن غيره، حيث قال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) (آل عمران: 36)، وقال عز
وجل: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {3}
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (الليل)، فلكل من الرجل والمرأة طبيعة
خاصة، لها ما يناسبها من الأعمال والهيئات، وأي خروج عن المسار الذي هيأه الله
تعالى يعد انحرافاً عن الفطرة، وهذا الانحراف ليس في صالح الرجل أو المرأة،
فالخالق لهما والعالم بطبيعتهما هو الذي فرّق بينهما، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14).
3- الطعن في الهوية:
ميَّز الله تعالى كل جنس عن غيره بمميزات تعينه على أداء مهامه، وتحفظ له
كيانه وهويته، وتجعله مرغوباً لغيره، فقد جعل للرجل القوامة على المرأة بما يملك
من قدرة على العمل والإنفاق والتدبير، حيث قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ
اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء:
34).
كما ميز الله تعالى المرأة بالقدرة على الحمل والرضاعة والرعاية أكثر من
الرجل، وأثابها على ذلك أجرًا عظيمًا، لذا كان تشبه كل منهما بالآخر وحرصهما على
الدخول في الدوائر التي ليست لهما يأخذ بهما إلى هدم ما ميزه الله به.
كما يؤدي التشبه بين الرجال والنساء إلى صبغ المجتمع بصبغة غير إسلامية،
فهو من أسباب ضياع الهوية المجتمعية وذوبان الشخصية الإسلامية، حيث إن المطالع
للشارع لا يكاد في بعض المدن يفرق بين الرجال والنساء في الملبس أو في الكلام أو
في العمل، وهذا مخالف للهوية التي أمر الإسلام بها، في تميز كل جنس عن غيره، وحسن
معاملته بما يتناسب مع تكوينه ومهمته.
4- الانحراف والوقوع في الفتن:
يؤدي التشبه بين الرجال والنساء إلى تدهور الأخلاق وانهيار القيم والوقوع
في الفتن، حيث يمكن من خلال هذا التشبه الاطلاع على العورات، والوصول إلى ما لا
يمكن الوصول إليه عند تميز الأجناس، فقد تتساهل المرأة في الكشف عن بعض ما يظهر
منها أمام مثيلاتها، وكذلك الرجل، وبسبب هذا التساهل قد يقع ما لا تحمد عقباه في
ظل التشبه بين الرجال والنساء.
كما أن تقليد الأصوات والحركات قد يوقع الناس رجالاً كانوا أو نساء في حرج
كبير، بسبب عدم التمييز بينهما؛ لذا حرص الإسلام على سد أبواب الفتنة ومنع
أسبابها.
5- التقليد الأعمى للأمم المنحرفة:
خلطت بعض الأمم بين الذكورة والأنوثة، وحرصت على التسوية بينهما في كل شيء،
دون مراعاة التكوين والمهام المنوطة بكل منهما، وكان هذا من أسباب انحرافهم عن
الصراط المستقيم، ومعاناتهم في كل جوانب الحياة، من أجل هذا منع الإسلام كل ما من
شأنه أن يخرج الإنسان عن فطرته، وفرض لكل من الرجل والمرأة أحكاماً تحفظ تميزه،
لذا كان الخروج عن تعاليم الإسلام من أجل تقليد أمة من الأمم الشرقية أو الغربية
يعد خطراً على المجتمع وخروجاً عن التعاليم التي شرعها الله سبحانه وتعالى وأمر
بها.
وقد حذر الإسلام من هذا التقليد تحذيرًا بالغًا ومؤكدًا، حيث قال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا
عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف: 23).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ
دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ
آلْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟».
إن الحفاظ على الهوية التي فطر الله الناس عليها ليس فقط واجبًا دينيًا، بل
مسؤولية مجتمعية، تحفظ للناس توازنهم وسلامهم النفسي، وتصونهم من الفتن
والانحرافات، فلنعتزّ بما خلقنا الله عليه، ونحمده على تمام الخلق والتكليف.