6 خصال على طالب العلم استحضارها مع بداية العام الدراسي الجديد

يستقبل المسلم بداية العام الدراسي بصفحات جديدة من عمره، تضاف إلى سجل أعماله، ويقف عندها وقفة مراجعة واستعداد، وليس التعليم مجرد تحصيل للمعلومات، بل هو طريق للارتقاء بالنفس والمجتمع، وهو عبادة إذا أُريد به وجه الله تعالى، وقد رفع الإسلام من قدر العلم وأهله، قال الله عز وجل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة» (رواه مسلم).

ولأن العلم لا يثمر إلا بتهيئة القلب والعقل لاستقباله، كان من اللازم على طالب العلم أن يستحضر مع بداية عامه الجديد جملة من المعاني والأمور التي تهديه سواء السبيل، وتحفظ له بركة علمه، وتمنحه قوة على الاستمرار والثبات، ومن هذه الأمور ما يلي:

1- الإخلاص لله تعالى:

أول ما يجب أن يضعه طالب العلم نصب عينيه هو تصحيح النية، فطلب العلم عبادة عظيمة لا تُقبل إلا بإخلاص النية لله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (متفق عليه)، فلا يطلب العلم رياءً ولا سمعة ولا لمباهاة الناس، بل ليعرف الحق ويعمل به ويدعو إليه، وقد قال الإمام أحمد: العلم لا يعدله شيء إذا صحت النية.

2- استشعار مكانة العلم وأهله:

العلم شرف لا يوازيه شرف، وأهله ورثة الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم» (رواه أبو داود، والترمذي)، ومن يستحضر هذه المكانة يدرك أنه يسير على خطى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فيزداد حرصاً على طلبه، ويصبر على مشقاته، ويرى أن كل ساعة يقضيها بين الكتب أو في قاعات الدرس إنما هي في ميزان حسناته.

3- الجمع بين العلم والعمل:

العلم بلا عمل وبال على صاحبه، قال الله تعالى في وصف من حادوا عن منهج العلم: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) (الجمعة: 5).

فليس المطلوب أن يحفظ الطالب المعلومات ويكدّسها في ذهنه، بل أن يجعلها نوراً يهديه في سلوكه، فيكون صادقاً في قوله، مستقيماً في عبادته، أميناً في معاملاته، قال الحسن البصري: كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يُرى ذلك في خشوعه وزهده ولسانه وبصره.

4- الصبر والمثابرة:

طريق العلم طويل وشاق، لا يُنال بالراحة والكسل، قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ) (النحل: 127)، وقال يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاع العلم براحة الجسد.

فعلى طالب العلم أن يستعد لاحتمال المشاق، من كثرة القراءة، وتكرار المراجعة، وحضور الدروس، ومواجهة التحديات النفسية والاجتماعية، ومن أجمل النماذج في ذلك الإمام البخاري، الذي رحل مسافات طويلة وجاب الأمصار في سبيل تحصيل الحديث، حتى غدا علمه مرجعاً للأمة كلها.

5- اغتنام الوقت وتنظيمه:

الوقت رأسمال طالب العلم، وإذا ضاع وقته ضاع علمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ» (رواه البخاري)؛ ولذلك، ينبغي للطالب أن يضع خطة زمنية واضحة لدراسته، يوازن فيها بين دروسه، وعباداته، وراحته، ومطالعاته الحرة، ويبتعد عن مضيعات الوقت من لهو مفرط أو انشغال بما لا ينفع، وقد كان ابن عقيل الحنبلي يقول: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري.

6- صحبة الصالحين والحرص على البيئة الطيبة:

الرفقة الصالحة تعين طالب العلم على الثبات والاستمرار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه أبو داود، والترمذي).

فالطالب الذي يلازم زملاء جادين ومحبين للعلم، يجد فيهم دعماً ومنافسة في الخير، بينما الرفقة السيئة تجره إلى اللهو والغفلة، ولهذا كان من وصايا السلف: عليكم بمجالس العلماء فإنها تحيي القلوب.

إن بداية العام الدراسي فرصة لتجديد النية، وشحذ الهمة، واستحضار مكانة العلم في الإسلام، فالطالب حين يجعل إخلاصه لله، ويستشعر شرف العلم، ويقرن المعرفة بالعمل، ويصبر على المشاق، ويغتنم وقته، ويختار الرفقة الصالحة، يكون قد وضع لنفسه أساساً متيناً لرحلة علمية مباركة.

والمؤمن في طلبه للعلم لا ينشد دنيا زائلة، بل يبتغي وجه الله تعالى، ليكون علمه سبباً في صلاحه وصلاح مجتمعه، وليُسهم في نهضة أمته، متأسّياً بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أول ما أنزل عليه من الوحي كلمة: (اقْرَأْ) (العلق: 1).

فلنجعل من عامنا الدراسي الجديد بداية عهد جديد مع الله، نطلب فيه العلم النافع، ونقرنه بالعمل الصالح، ونبتغي به وجه الله الكريم، عسى أن نكون ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه» (رواه البخاري).


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة