كيف تترك بصمة خالدة بعد موتك؟
6 دوافع لتحقيق الأثر الطيب

يحلم كل إنسان
بعد انتقاله من مكان إلى آخر، أو انتقاله من الدنيا إلى الآخرة أن يبقى ذكره حسنا،
وليس هذا مخالفاً للدين في شيء، بل هي فطرة يسعى كل إنسان لإشباعها، والأثر الطيب
هو ما يخلفه المسلم من أعمال وأقوال وسلوكيات نابعة من الإيمان بالله، تعود بالنفع
على الفرد أو المجتمع في الدنيا والآخرة، والمسلم يندفع إلى طلب الأثر الطيب
لأسباب إيمانية ونفسية واجتماعية، نذكر بعضها فيما يأتي:
1- الأمر الشرعي بالحرص على الأثر الطيب:
أورد القرآن
الكريم على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام قوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (الشعراء:
84)؛ أي اجعل لي بعد موتي ذكراً طيباً وأثراً حسناً باقياً.
وروى البخاري في
«الأدب المفرد» بسند صححه الألباني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ
فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا
فَلْيَغْرِسْهَا»، وروى البخاري في صحيحه أن ابْن عُمَرَ كان يَقُولُ: «خُذْ مِنْ
صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»، ففي هذه الأحاديث دلالة
على اهتمام الدين الإسلامي بدفع المسلم إلى تحقيق الأثر الطيب.
2- تحقيق أفضل الأعمال وأحبها إلى الله:
من أفضل الأعمال
وأحبها إلى الله تعالى العبادات التي يتعدى نفعها إلى الآخرين، وهي عين ما يرجوه
الإسلام من الأثر الطيب، ولهذا كانت أعظم أجراً عند الله تعالى.
فقد روى
الطبراني بسند حسنه الألباني عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ
النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ
تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ
تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ
دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ
الْمَدِينَةِ شَهْرًا..».
3- الله يكتب أجر العمل والأثر:
من دوافع السعي
لتحقيق الأثر الطيب أن الله تعالى وعد من يحققه بكتابة أجر العمل الحالي والأثر
المترتب عليه في ميزان الحسنات، فالمسلم يؤجر به في حياته وبعد مماته، حيث قال
تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ
الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ
فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس: 12).
وروى مسلم في
صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ
أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ
دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ
تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».
وفي صحيح مسلم أنه
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً
سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
وفي سنن الترمذي
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الخَيْرِ
كَفَاعِلِهِ»، وفي صحيح البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ
يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ،
إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».
4- الأثر الطيب صدقة جارية:
الناظر في
الصدقات الجارية التي حث عليها الإسلام يجد أنها مظهر من مظاهر الأثر الطيب
للمسلم، وقد حث عليها الإسلام، ففي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ
انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،
أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»، وروى البيهقي
والبزار عَن أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: «سَبْعٌ
يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ
عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلا،
أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ
لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ».
5- حب الخير للغير وتطهير النفس من الأنانية:
يؤدي الحرص على
بلوغ الأثر الطيب إلى التحلي بحب الخير للغير، وتطهير النفس من الحرص والأنانية، وهذه
تربية نبيلة يحتاج إليها الناس في واقع الحياة، ففي فيض القدير أورد المناوي أن كسرى
خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا،
أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه؟! فقال: أيها الملك،
زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل.
6- الأثر الطيب سبيل إلى شهادة الناس التي يغفر الله بها للعبد:
في صحيح مسلم
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا
خَيْرًا فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ،
وَجَبَتْ»، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ»، قَالَ عُمَرُ:
فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ
فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ
عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ
لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ
شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ
شُهَدَاءُ اللهِ فِي الْأَرْضِ».
وفي مسند أحمد
عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ
مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ،
إِلَّا قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فِيهِ، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا
تَعْلَمُونَ».