6 أخطار للفطر في رمضان بغير عذر

فرض الله سبحانه وتعالى الصيام في رمضان، وأوجب على كل قادر أن يصوم؛ فإذا فَقَد القدرة على الصيام فإنه يكون معذورا في الفطر، على أن يقضي ما فاته أو يخرج الفدية، وفي هذه الحالة يجب على هذا المفطر أن يستتر عن الصائمين، مراعاة لهم ولحرمة هذا الشهر الكريم. أما من لا عذر له؛ فلا يفطر أبدا؛ وإن أفطر فإن ذلك يترتب عليه العديد من المخاطر، ومنها:

1 - الاستهانة بركن من أركان الإسلام مما يوجب التعزير:

جعل الله الصيام في رمضان فريضة من فرائض الإسلام، حيث قال تعالى: (‌شَهْرُ ‌رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة: 185). قال الإمام ابن كثير: هذا إيجابُ حتْم على مَن شهد استهلال الشهر؛ أي: كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيحٌ في بدنه أن يصوم لا محالة [1]. 

فإذا كان الصيام ركنا من أركان الإسلام؛ فإن الفطر بغير عذر يعد استهانة بهذا الركن، وهذه الاستهانة تستلزم العقوبة الصارمة، حتى لا ينفتح الباب أمام ضعاف الإيمان أن يستهينوا بفرائض الإسلام، لذا ثبت عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أُتِي برجل يسمى قيس بن عمرو الحارثي، قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين جلدة، ثم ضربه من الغد عشرين، وقال: ضربناك العشرين لجرأتك على الله، وإفطارِك في رمضان. [2] قال القفال رحمه الله: ومن أفطر في رمضان من غير عذر، وجب عليه القضاء وإمساك بقية نهاره، وعزره السلطان.([3])

 2- الوقوع في كبيرة من الكبائر:

يقع المفطر في رمضان بغير عذر في ذنب عظيم، بل في كبيرة من الكبائر، فقد قال الإمام ابن حجر الهيتمي: الكبيرة الأربعون والحادية والأربعون بعد المائة: ترك صوم يوم من أيام رمضان، والإفطار فيه بجماع أو غيره بغير عذر؛ من نحو مرض أو سفر.([4]) وقال الذهبي رحمه الله: الكبيرة العاشرة: إفطار رمضان بلا عذر ولا رخصة.([5]) وعدَّ ابن القيم الإفطار في نهار رمضان من الكبائر.([6])


3- بقاء الإثم بعد القضاء:

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «‌مَنْ ‌أَفْطَرَ ‌يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ». قال المناوي: لأن الإثم لا يسقط بالقضاء، وإن سقط به الصوم، ولأن القضاء لا يساوي الأداء في الإكمال، فقوله: لم يقضه عنه صيام الدهر: أي في وصفه الخاص به وهو الكمال، وإن كان يقضي عنه وصفه العام المنحط عن كمال الأداء. قال ابن المنير: هذا هو الأليق بمعنى الحديث، ولا يحمل على نفي القضاء بالكلية إذ لا تعهد عبادة واجبة مؤقتة لا تقبل القضاء.([7])

 4- استحقاق العذاب في الآخرة:

روى النسائي وابن حبان بسند صحيح عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ (وسط العضد) فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا فَقَالَا لِي: اصْعَدْ فَقُلْتُ: «إِنِّي لَا أُطِيقُهُ»، فَقَالَا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ فَقُلْتُ: «مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟» قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطلقَ بِي فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ (العصب الغليظ الموتَّر فوق العَقِب) مُشَقَّقَةُ أَشْدَاقُهُمْ (جوانب الفم) تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا، قَالَ: قُلْتُ: «مَنْ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ ‌تَحِلَّةِ ‌صَوْمِهِمْ». أي: يَتعمَّدون الإفْطارَ قبل مَوْعدِه في رَمَضانَ. هذا الحديث دليل على عظم ذنب من أفطر في نهار رمضان عمداً من غير عذر، فقد أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على عذاب المفطرين قبل وقت إفطارهم، فرآهم في أقبح صورة وأبشع هيئة، رآهم معلقين بعراقيبهم كما يُعلق الجزار ذبيحته، الأرجل إلى أعلى والرأس إلى أسفل، وقد شقت أشداقهم، والدم يسيل منها. إنه لون من ألوان العذاب والنكال فهل يعتبر به من انتهك حرمة رمضان.

5- إفساد الروح العامة

إن الجرأة على الفطر في رمضان بغير عذر، وإعلان ذلك في الناس يمثل خطرا على الروح الإسلامية العامة، فالمفطر يسوغ لغيره من ضعاف الإيمان أو المتربصين به أن يستهينوا بشعائره، وقد جعل الحق سبحانه وتعالى تعظيم شعائر الإسلام من تقوى القلوب، حيث قال عز وجل: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ ‌تَقْوَى ‌الْقُلُوبِ) (الحج: 32). فإذا كان الصيام في رمضان يجمع المسلمين على الطاعة؛ فإن الفطر العلني يخدش قدسية الشهر، ويضعف قيمته في نفوس الناس.

6- القدوة السيئة

يحرص المسلمون على تعويد أبنائهم على الصيام، ويستخدمون في ترغيبهم لذلك عددا من الوسائل التي تساعدهم في الوصول إلى هذا الهدف السامي، لكن الذي يتعمد الإفطار في رمضان ويعلن ذلك أمام هؤلاء الصبيان إنما يقدم نموذجا سلبيا، يؤدي إلى هبوط عزيمة الصغار، فيقارنون أنفسهم بهذا المفطر الذي يزعم أنه البطل أو المثال الذي يتطلع الجيل الصغير إلى الاقتداء به. وهذا خطر على هوية المجتمع المسلم.

وأخيرا: يجب على من أفطر في رمضان بغير عذر أن يتوب إلى الله تعالى بترك الفطر والندم عليه والعزم على عدم العودة إليه، ثم عليه أن يقضي ما عليه من الأيام التي أفطرها، وأن يخرج الكفارة إذا كان قد أفطر بالجماع، وأن يسأل الله تعالى أن يتوب عليه ويتقبل منه.

 

 

_____________________

(1)  تفسير ابن كثير (1/ 369).

(2)  المحلى، لابن حزم (٦/١٨٤).

(3)  حلية العلماء (3/ 198).

(4) الزواجر عن اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي (1/ 323).

(5)  الكبائر، للذهبي، ص 62.

(6) أعلام الموقعين: لابن القيم (4/401).

(7) فيض القدير، للمناوي (6/ 78).

 


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة