7 سبل للنهضة العلمية التجريبية عند المسلمين
أرسل ملك إنجلترا جورج الثاني ابنة أخيه، الأميرة دوبانت على رأس بعثة من 18 فتاة من بنات الأمراء والأعيان إلى إشبيلية، يرافقهن رئيس موظفي القصر الملكي، وكان يحمل كتاباً من الملك إلى الخليفة هشام الثالث، جاء فيه: «مِن جورج الثالث ملك إنجلترا وفرنسا والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس، صاحب العظمة هشام الثالث، الجليل المقام، بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقى العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لبلادنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لنشر العلم في بلادنا التي يحيطها الجهل من أركانها الأربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقتنا الأميرة دوبانت على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتي سيتوفرن على تعليمهن.. وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها.. من خادمكم المطيع جورج(1).
أورد هذه الحكاية الشيخ محمد الغزالي نقلاً عن عبدالحليم الجندي، في كتاب «القرآن والمنهج العلمي المعاصر»، وغيره من الكُتَّاب، في إطار التأكيد على أن الحضارة الإسلامية قد أحرزت تقدماً عظيماً، حتى حرص الغربيون على الانتفاع بعلومها في عالم الظلمات الأوروبي.
وتكشف هذه الحكاية عن ذلك التقدم الهائل الذي أحرزته الحضارة الإسلامية في مجال العلوم النظرية والتطبيقية، حتى أصبح العالم كله ينظر إليها بعين الإجلال والإكبار، وحرصت الأمم المتنوعة على الاقتباس من الحضارة الإسلامية النافعة.
لكن الأمة الإسلامية الآن هي التي تحتاج أن تنظر في تاريخها المجيد وحضارتها التليدة، من أجل أن تستعيد مجدها من جديد، فتتبوأ أسمى الأماكن وأرقاها، فما السبيل إلى ذلك؟
1- النهي عن اليأس والحث على الأمل:
إن المسلم لا ييأس أبداً، بل يفتح أبواب الأمل في الوصول إلى خير الأحوال وأحسنها، قال الله تعالى: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، وقال عز وجل: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56)، كما لا ينبغي للمسلم أن يعتقد الدونية في نفسه ومنهجه أبداً، فالمؤمن عزيز كريم متى تمسك بدينه، ولهذا قال الله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139).
2- الإكثار من الابتعاث لطلب العلم من الدول المتقدمة:
حث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب العلم، ففي سنن ابن ماجه، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، وأخرج الترمذي في سننه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا».
3- التعاقد مع الكفاءات العلمية الغربية للتدريس في بلاد الإسلام:
تحرص الأمة الإسلامية على الانتفاع بكل مقترح يقدم خدمة لهذه الأمة وينهض بها، ويدل على ذلك ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم حين استعان بعبدالله بن أريقط، وهو مشرك، ليلة الهجرة من مكة إلى المدينة ليكون دليلاً للطريق، والأخذ بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق، وقبول مقترح تميم الداري في بناء المنبر.
4- تبني النابغين والنابهين في العلوم التطبيقية:
تتبنى الدولة النابغين والنابهين في العلوم التطبيقية وترعاهم بكل أشكال التبني والرعاية، وذلك من خلال المؤسسات الرسمية، أو أهل الخير، أو من صندوق الزكاة، وذلك للحاجة إليهم في بناء الفكر السليم والعمل الجاد المستقيم.
5- الحد من الدراسات النظرية وتقوية وتعميم الدراسات الحرفية:
تسهم الدراسات الحرفية في تحقيق التطبيق العملي للعلوم النظرية، واقتباس الفوائد الحقيقية للناس، حيث إن حاجة الناس للعلوم التطبيقية أكثر بكثير من مجرد التحصيل النظري لبعض القواعد والنظريات، كما أن الدراسات الحرفية السبيل لتفتيح العقول للإبداع والابتكار واستشراف المستقبل.
6- إقناع الميسورين وذوي المال بالإنفاق على مؤسسات البحث العلمي:
يجب أن يتقدم العلماء والدعاة للميسورين وذوي المال بالإقناع وإقامة الدليل الشرعي على أن حاجة الأمة الإسلامية إلى المعامل لا تقل أهمية عن حاجتها إلى المساجد، وأن مصنعاً لإعمال العقول خير من الدعوة إلى الكسل والخمول، وأن عبادة العالم خير من عبادة الجاهل، وفي هذا تهيئة لهم ولغيرهم للعمل على ما ينفع الناس ويتقدم للنهوض بهم، بدلاً من الركون إلى الأعمال الفردية الخاصة.
7- حماية النابغين والنابهين من حقد الحاقدين:
يجب أن تحرص الأمة الإسلامية على توفير كل المتطلبات اللازمة للنابغين، وتهيئة الأجواء المعينة لهم، حتى يتمكنوا من النهوض بالأمة؛ لذا يجب تقديرهم واحترامهم ورعايتهم وتيسير السبل لهم، للنهوض علمياً بالمجتمع، وما لنا لا نحترم من رفع الله قدرهم وأعلى منزلتهم، حيث قال عز وجل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11)(2).
______________________
(1) الحق المر: الشيخ محمد الغزالي (1/ 8).
(2) خطبة الجمعة والعيدين بين التقليد والتجديد: د. بكر زكي عوض، ص 195-196.