8 ثمرات للدعاء بظهر الغيب
حين تطغى
المصالح الشخصية، وتتبدد الروابط الإنسانية، يظلّ الدعاء بظهر الغيب من أعظم صور
التضامن الروحي بين المسلمين؛ إذ يُشعِر المؤمنُ أخاه بأنه حاضرٌ في قلبه وإن غاب
عن بصره، فيتجاوز حواجز الزمان والمكان لتلتقي الأرواح في ميدانٍ واحد من الرحمة
والصفاء، وهو ميدان الدعاء.
ويسهم هذا في
تحقيق عدد من الثمرات، منها ما يأتي:
1- الاقتداء بالأنبياء:
الناظر في
القرآن الكريم يجد أن الله تعالى قد ذكر أن نبيه إبراهيم عليه السلام دعا لوالديه
وللمؤمنين بظهر الغيب، حيث قال تعالى حكاية عنه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن
ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء {40} رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم)، كما فعل ذلك أيضاً نبي الله نوح عليه السلام، حيث قال
الله تعالى حكاية عنه: (رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (نوح: 28).
أما نبينا صلى
الله عليه وسلم، فقد أمره الله تعالى بالدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم بظهر الغيب،
حيث قال عز وجل: (فَاعْلَمْ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (محمد: 19)،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من أصحابه الدعاء بظهر الغيب، خاصة في السفر
إلى الأماكن المباركة، ففي سنن أبي داود عَنْ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه
قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْعُمْرَةِ، فَأَذِنَ لِي، وَقَالَ: «لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ»،
فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا، قَالَ شُعْبَةُ:
ثُمَّ لَقِيتُ عَاصِمًا بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ فَحَدَّثَنِيهِ، فَقَالَ:
أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ فِي دُعَائِكَ.
2- التحقق بصفات المؤمنين:
المؤمن يدعو
لغيره بظهر الغيب، ففي بيان حال المؤمنين قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ) (الحشر: 10)، كما أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن من صفات
المؤمن حبه لأخيه ما يحب لنفسه، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ أَنَس بن مالك عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ
حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، ومن مظاهر حب المسلم لنفسه أن
يجد من يدعو له بظهر الغيب، فكذلك يفعل هو.
#وقفات_مع_النفس#الدعـــاء
— مجلة المجتمع (@mugtama) December 3, 2019
الشيخ طلال العامر النجدي@talal0alaamer pic.twitter.com/uAlddwGwTD
3- تحصيل الأجر والثواب للداعي والمدعو له:
روى الطبراني في
«مكارم الأخلاق» أن سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قال: قِيلَ لِكَعْبٍ الْحَبْرُ: مَا
نَائِمٌ مَغْفُورٌ لَهُ وَقَائِمٌ مَشْكُورٌ لَهُ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ قَامَ مِنَ
اللَّيْلِ فَدَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَغَفَرَ
اللَّهُ لِلنَّائِمِ بِدُعَاءِ الْقَائِمِ، وَشَكَرَ لِلْقَائِمِ حِينَ ذَكَرَ
أَخَاهُ النَّائِم.
ولهذا قال
المروذي: رُبَّ نَائِمٍ مَغْفُورٌ لَهُ وَقَائِمٍ مَشْكُورٌ لَهُ، قِيلَ: وَكَيْفَ
هَذَا؟ قَالَ: الرَّجُلُ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَيَذْكُرُ أَخَاهُ وَهُوَ
نَائِمٌ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ، فَيُغْفَرُ لِهَذَا وَهُوَ نَائِمٌ، وَيُشْكَرُ
لِهَذَا وَهُوَ قَائِمٌ.
4- ينال الداعي من الخير بمثل ما دعا لأخيه:
روى مسلم في
صحيحه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ
إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ».
5- تأمين الملائكة على الدعاء:
يعد تأمين
الملائكة على الدعاء تزكية له وعلامة على قبوله، وهذا فضل عظيم يناله من دعا لأخيه
بظهر الغيب، ففي صحيح مسلم عن أُمّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي
أبو الدرداء: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ: «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ
الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ».
6- ضمان الاستجابة:
تنوعت الأدلة
المؤكدة على ضمان استجابة الدعاء إذا كان المسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، ففي صحيح
مسلم عَنْ صَفْوَانَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ وَكَانَتْ
تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ قَالَ: «قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ
فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ:
أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا
بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ
الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ
رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ
الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ».
وفي سنن أبي
داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم قال:
«إنَّ أسرعَ الدُعاء إجابةَ دَعوَةُ غائِبٍ لغائِبٍ»، وفي مصنف ابن أبي شيبة عَنْ
عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «أَرْبَعٌ لَا يُحْجَبْنَ عَنِ اللَّهِ:
دَعْوَةُ وَالِدٍ رَاضٍ، وَإِمَامٍ مُقْسِطٍ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ
الرَّجُلِ دُعَاءً لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ».
7- طهارة النفس وصفاء القلب:
يدل الدعاء بظهر
الغيب على طهارة نفس فاعله وصفاء قلبه، فهو يبرهن بدعائه على تخلصه من الأنانية
وحب الذات، وعدم وجود شيء في قلبه من الحقد والحسد، ويؤكد أنه يحب الخير للناس كما
يحبه لنفسه، كما أنه بهذا يزرع في نفسه الطمأنينة والرضا، وحب الخير للناس أجمعين.
8- وحدة الأمة:
يسهم الدعاء
بظهر الغيب في تقوية أواصر الأخوة بين المسلمين، فهو ناشئ عن المحبة والمودة،
ومعبر عن روح التعاطف والرغبة في التعاون مع الآخرين؛ وهذا يؤدي إلى بناء مجتمع
متماسك مترابط، يقوم على الرحمة والمحبة والأخوة، ويقلل من الخلافات والنزاعات
والصراعات.