06 فبراير 2025

|

8 دوافع للرفق بالرعية

حين يسمع الناس لفظ الراعي، تنصرف أذهانهم إلى الحكام ورؤساء الدول، وهذا صحيح، لكن الخلل أن يقتصر فهم الراعي على حكام الدول، لأن الراعي هو كل من ولي أمراً بالحفظ والسياسة(1) أيا كان هذا الأمر؛ ومن هنا كان الراعي لفظاً عاماً يشمل كل من يرعى شأناً أو يقوم بمهمة.

روى البخاري عَنْ ‌عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ ‌وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». 

والمسؤولية عن الرعية لا تستلزم البطش بهم أو التشديد عليهم، بل تتطلب الرفق والرحمة، ويدفع إلى الرفق بالرعية أمور، منها:

1- الله أمر بالرفق وأحب فاعله:

قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: 159)، وعندما أرسل الله تعالى موسى، وهارون، إلى فرعون، قال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى {43} فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه).

وروى البخاري عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ ‌يُحِبُّ ‌الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»، وعندما أراد عمر بن الخطاب أن يوصي ولاته على البلدان، قال لهم: أيّتها الرّعاة، إنّ للرّعيّة عليكم حقّا، فاعلموا أنّه لا شيء أحبّ إلى الله ولا أعزّ من حلم إمام ورِفْقِهِ(2)، وقال عمر بن عبدالعزيز: أحب الأشياء إلى الله أربعة: القصد ‌عند ‌الجدة، والعفو عند المقدرة، والحلم عند الغضب، والرفق بعباد الله في كل حال(3).

2- أوصى النبي بالرفق فإنه يزين الأمور:

روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، ‌وَإِيَّاكِ ‌وَالْعُنْفَ ‌وَالْفُحْشَ»، وفي صحيح مسلم عَنْ ‌عَائِشَةَ أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ ‌لَا ‌يَكُونُ ‌فِي ‌شَيْءٍ ‌إِلَّا ‌زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ». 

ومن مظاهر رفقه صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَحَدَا الْحَادِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ، ‌وَيْحَكَ، ‌بِالْقَوَارِيرِ»؛ يعني: النساء.

3- من رفق فإن الله يرفق به.. ومن شق فإن الله يشق عليه:

روى مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ ‌فَارْفُقْ ‌بِهِ».

4- الرفق بالرعية دليل على خيرية الراعي:

روى الترمذي بسند صححه الألباني عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ، وَمَنْ ‌حُرِمَ ‌حَظَّهُ ‌مِنَ ‌الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ»، وروى مسلم في صحيحه عن ‌جَرِير بْنَ عَبْدِ اللهِ أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ، أَوْ مَنْ يُحْرَمِ ‌الرِّفْقَ ‌يُحْرَمِ ‌الْخَيْرَ»، وفي مسند أحمد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، ارْفُقِي، فَإِنَّ اللهَ إِذَا ‌أَرَادَ ‌بِأَهْلِ ‌بَيْتٍ ‌خَيْرًا، دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ». 

أما العنف والشدة بغير حق فهما دليل على أن الراعي من شر الناس، ويدل على هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه أَنَّ ‌عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ (وكان أميراً ظالماً) فَقَالَ عائذ: أَيْ بُنَيَّ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ ‌شَرَّ ‌الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ»، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ؛ والحطمة: صيغة مبالغة، وتعني الإنسان الذي يحطم ما تحته، كالراعي يرعى غنماً أو إبلاً ومعه عصا يضرب بها أغنامه أو إبله وينفرها ويقسو عليها، فهذا شر الرعاء، وكذلك الراعي الحاكم الذي يكون على الناس ويتولى أمرهم فتراه عنيفاً عليهم ويفرقهم من حوله.

5- الرّفق دليل على فقه الرّاعي وحكمته:

أخرج وكيعٌ، وهنّاد، في كتاب «الزهد»، أن أبا الدّرداء قال: إنّ من فقه الرّجل رفقه في معيشته، وعن هشام بن عروة عن أبيه، قال: مكتوب في الحكمة: الرّفق رأس الحكمة.

6- الرفق دليل على الإحسان إلى الرعية:

أورد أبو القاسم المالكي في كتاب الشهب اللامعة أن الرعية شكت بعض العمال إلى الوالي، فقال سهل بن عاصم (أحد الرعية) للخليفة: ما في عاملك ما يُشتكَى إلا أن الله عز وجل أمر بأمرين، امتثل فينا أحدهما وترك الآخر، قال الله عز وجل: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90)، فعدل فينا ولم يحسن إلينا، وفي العدل بغير إحسان عطب الرعية(4).

7- الوقاية من اللعنة ودخول النار:

روى مسلم في صحيحه أن ‌هِشَام بْن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرَّ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ (فلاحو العجم) بِالشَّامِ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ أني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ ‌الَّذِينَ ‌يُعَذِّبُونَ ‌النَّاسَ فِي الدُّنْيَا»، وروى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لعن الله المتسلِّط ‌بِالْجَبَرُوتِ ‌لِيُذِلَّ بِذلِكَ مَنْ أعَزَّ الله، وَيُعِزَّ بِهِ مَنْ أذَل الله».

8- دخول الجنة:

روى مسلم في صحيحه عَنْ ‌عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ ‌رَقِيقُ ‌الْقَلْبِ ‌لِكُلِّ ‌ذِي ‌قُرْبَى ‌وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ».

وأخرج وكيع في كتاب «الزهد» بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، قال: كان يقال: من يُعْطَ الرّفق في الدّنيا نفعه في الآخرة.

 

 

 

 

 

________________________

(1) المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية (1/ 356).

(2) إحياء علوم الدين: الغزالي (3/ 188).

(3) بهجة المجالس: القرطبي، ص 200. 

(4) الشهب اللامعة في السياسة النافعة: أبو القاسم المالكي، ص 313.


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة