إلهان عمر.. الصوت الذي لا يلين في الكونغرس

تُعد إلهان عمر
ظاهرة تعكس التقاطعات المعقدة في النسيج السياسي الأمريكي، فمسيرتها من لاجئة
صومالية إلى أروقة السلطة في واشنطن تجسد الوعد الأمريكي، وفي الوقت نفسه،
الانقسامات العميقة التي تعصف بالبلاد، لقد حطمت حواجز تاريخية كأول لاجئة أفريقية
وأول امرأة ترتدي الحجاب في الكونغرس، وإحدى أول امرأتين مسلمتين تصلان إلى هذا
المنصب، كعضو بارز في مجموعة «الفرقة» (The Squad)، تسعى لدفع الحزب الديمقراطي نحو اليسار؛ ما جعلها صوتًا مؤثرًا
ومثيرًا للجدل في آن واحد.
من الحرب واللجوء إلى الحلم الأمريكي
النشأة والنزوح:
وُلدت إلهان عمر في مقديشو، الصومال، عام 1982م، لأسرة متعلمة ومرموقة؛ فوالدها
كان عقيدًا في الجيش ومدربًا للمعلمين، وجدها مديرًا للنقل البحري الوطني، هذه
النشأة، التي وصفتها بـ«المجيدة»، انتهت فجأة مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1991م، هربت
عائلتها إلى كينيا، حيث أمضت 4 سنوات قاسية في مخيمات اللاجئين، هذه التجربة
المزدوجة بين الفقدان والنضال من أجل البقاء شكّلت حجر الزاوية في هويتها
السياسية.
الوصول إلى أمريكا: في عام 1995م، مُنحت عائلتها حق اللجوء في الولايات المتحدة، وهو خيار أصر
عليه جدها إيمانًا منه بأن أمريكا ديمقراطية حقيقية، لكن تجربتها الأولى كانت
صادمة، حيث واجهت تنمرًا وعنصرية شديدين في فيرجينيا بسبب حجابها ومظهرها.
وفي عام 1997م،
وجدت ملاذًا ودعمًا عندما انتقلت العائلة إلى حي سيدار-ريفرسايد في مينيابوليس،
الذي يحتضن أكبر جالية صومالية أمريكية.
الطريق إلى السلطة
بدايات سياسية:
بدأت صحوتها السياسية في سن الرابعة عشرة، حين عملت مترجمة لجدها في المؤتمرات
الحزبية المحلية، وهي التجربة التي أشعلت شغفها بالخدمة العامة، بعد تخرجها في
جامعة ولاية نورث داكوتا بدرجة في العلوم السياسية، بنت سيرة مهنية قوية في العمل
المجتمعي وإدارة الحملات الانتخابية.
انتصارات تاريخية
مجلس نواب
الولاية (2016م): حققت مفاجأة كبرى بهزيمة نائبة خدمت في مقعدها لمدة 44 عامًا،
لتصبح أول مشرعة أمريكية من أصل صومالي في تاريخ الولايات المتحدة.
الكونغرس
الأمريكي (2018م): بعد قرار كيث إليسون (أول مسلم في الكونغرس) عدم الترشح مجددًا،
فازت إلهان عمر في الانتخابات التمهيدية ثم العامة بنسبة ساحقة بلغت 78% من
الأصوات، لتصنع التاريخ مرة أخرى، في خطاب فوزها، تعهدت بالنضال من أجل رؤية
تقدمية جريئة، بما في ذلك «إلغاء وكالة الهجرة والجمارك» (ICE).
أجندة تشريعية تقدمية
السياسة
الداخلية: ترتكز أجندتها على العدالة الاقتصادية والاجتماعية، هي من أشد المؤيدين
لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا، ونظام «الرعاية الطبية للجميع»، وإلغاء
ديون الطلاب، و«الصفقة الخضراء الجديدة»، رغم كونها في الأقلية أحيانًا، نجحت في
تمرير تشريعات مهمة، أبرزها «قانون الوجبات» الذي وفر الطعام لملايين الأطفال خلال
جائحة «كوفيد-19».
السياسة
الخارجية: تدعو إلى سياسة خارجية تتمحور حول حقوق الإنسان والسلام، وتنتقد
التدخلات العسكرية والعقوبات الاقتصادية، مواقفها الأكثر إثارة للجدل تتعلق بالشرق
الأوسط، وتعتبر من أبرز منتقدي سياسات الحكومة «الإسرائيلية» تجاه الفلسطينيين،
وتدعم حركة المقاطعة (BDS).
تشريح الضغوط.. صوت في مرمى النيران
واجهت إلهان عمر
ضغوطًا شرسة وممنهجة منذ دخولها المسرح السياسي الوطني، مستهدفةً هويتها ومواقفها.
1- عاصفة
اتهامات معاداة السامية: استُخدمت هذه الاتهامات كسلاح متكرر ضدها، وتركزت حول عدة
حوادث رئيسة:
- تغريدة عام
2012م: اتُهمت بمعاداة السامية بسبب تغريدة قديمة قالت فيها: إن «إسرائيل» قامت
بتنويم العالم مغناطيسيًا، واعتذرت عنها لاحقًا.
- جدل «كل شيء
يتعلق بالبنجامين» (2019م): أثارت عاصفة سياسية عندما غردت بأن الدعم الأمريكي لـ«إسرائيل»
مدفوع بأموال جماعات الضغط مثل «إيباك»؛ ما اعتبره منتقدوها استخدامًا لـ«ترويجات
معادية للسامية»، وأصدرت اعتذارًا قاطعًا مع إعادة تأكيد موقفها من نفوذ جماعات
الضغط.
- تصريحات «الولاء
لدولة أجنبية» (2019م): واجهت انتقادات جديدة عندما أشارت إلى أن مؤيدي «إسرائيل»
يُدفعون لإظهار «الولاء لدولة أجنبية»؛ ما دفع مجلس النواب إلى تمرير قرار واسع
لمكافحة الكراهية.
في المقابل،
تدافع إلهان عمر ومؤيدوها بأنها تُستهدف بشكل غير عادل لكونها امرأة سوداء مسلمة
تنتقد السياسة «الإسرائيلية»، وأن هذه الاتهامات متجذرة في «الإسلاموفوبيا».
2- هدف مباشر
لترمب واليمين: أصبحت هدفًا مفضلًا للرئيس دونالد ترمب، الذي شكك في وطنيتها، وروج
لأكاذيب حولها، وحرض أنصاره عليها في تجمع انتخابي شهير هتف فيه الحشد: «أعيدوها
إلى بلادها»! كما واجهت هجمات «إسلاموفوبية» وعنصرية متكررة من زملائها في
الكونغرس والجمهور، بالإضافة إلى تهديدات بالقتل.
3- محاولات
العزل المؤسسي: امتدت الضغوط إلى محاولات لإضعافها داخل الكونغرس:
- الإقالة من
لجنة الشؤون الخارجية (فبراير 2023م): صوت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون
على إقالتها من لجنتها المرموقة، في خطوة وصفتها بأنها عمل من أعمال «العنصرية
وكراهية الأجانب»، وندد بها الديمقراطيون باعتبارها انتقامًا سياسيًا.
- محاولات توبيخ
فاشلة: قُدمت قرارات متعددة لتوبيخها وإقالتها من لجانها المتبقية، لكنها فشلت في
الحصول على الأصوات الكافية؛ ما كشف أن هذه التحركات كانت أداءً سياسيًا أكثر منها
إجراءات حوكمة حقيقية.
قوة باقية ومستقطبة
تمثل مسيرة
إلهان عمر دراسة حالة لديناميكيات السياسة الأمريكية المعاصرة، رحلتها هي شهادة
على الوعد الأمريكي، لكن المعارضة الشرسة التي تواجهها تسلط الضوء على صراعات
الأمة العميقة مع العرق والدين والهجرة، لقد أثبتت، من خلال صمودها، أنها صوت لا
يلين وقوة دائمة ستستمر في تشكيل المشهد السياسي الأمريكي لسنوات قادمة.