«الاغتصاب» سلاح يستهدف الأسر السودانية

كشفت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الحكومية في السودان، عن ارتفاع جرائم
اغتصاب النساء على أيدي «قوات الدعم السريع»، وقالت الوحدة: إنها نجحت في توثيق
1385 حالة اغتصاب، وقالت مديرة الوحدة سلمى اسحق: إن المتمردين لم يفرقوا في
جرائمهم بين الأطفال والفتيات والنساء المتزوجات، حيث سجلت الوحدة 204 حالات
اغتصاب لقاصرات تحت سن 14 عاماً.
وقد أثار التقرير الذي نشر حديثاً موجة غاضبة بين رواد التواصل الاجتماعي
السودانيين، الذين اعتبروا أن صمت المجتمع الدولي تجاه جرائم «الدعم السريع» هو
السبب الرئيس في استمرار هذا النوع من الجرائم ضد الإنسانية.
وكانت الدولة السودانية، ممثلة في «مجلس السيادة»، قد تنبهت إلى هذه
الجرائم التي تترك جرحًا غائرًا في المجتمع والأسر السودانية، حيث طالب رئيس مجلس
السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في سبتمبر الماضي، من جميع حكام الولايات،
إنشاء مراكز لتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والاقتصادية؛ لمعالجة الأضرار التي
لحقت بالناجيات من العنف الجنسي والانتهاكات التي ارتكبتها «الدعم السريع».
وطلبت الحكومة السودانية بضرورة التعاون مع منظمات إغاثية وطنية وعالمية
لتوسيع نطاق الرعاية، تشمل دفع تعويضات ورعاية صحية ونفسية للناجيات وحماية
حقوقهن، حيث تعمل منظمات مثل «الهلال الأحمر السوداني» بالتنسيق مع جهات أممية
(يونيفيل وجمعيات الإغاثة) لإرسال فرق طبية ونفسية إلى مخيمات النزوح والمستشفيات
الميدانية لمساعدة الضحايا.
وحظيت جرائم الاغتصاب في السودان باهتمام دولي، حيث كشف النائب العام للأمم
المتحدة في مؤتمر حقوقي بنيويورك، في سبتمبر الماضي، أن 966 من النساء والفتيات
وقعوا ضحية اغتصاب وعنف جنسي على يد عناصر «الدعم السريع».
ورغم هذا، يشدد الخبراء والناشطون على أن هذه الأرقام جزء صغير فقط من
الانتهاكات الحقيقية؛ فالضحايا يترددن غالبًا في الإبلاغ خوفًا من الوصمة
الاجتماعية أو الانتقام.
شهادات ضحايا
رصدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» عشرات حالات اغتصاب جماعي واستعباد جنسي
لنساء وفتيات (أعمارهن بين 7 و50 عامًا) في جنوب كردفان حيث تسيطر «قوات الدعم
السريع» على جزء كبير من الولاية حتى الآن.
وفي تقرير حمل عنوان «لقد اغتصبونا جميعًا»، وثقت منظمة «العفو الدولية»
شهادات 30 ضحية بعضهن قاصرات، تعرضن للاغتصاب أو العنف الجنسي بين أبريل 2023
وأكتوبر 2024م في 4 ولايات (لا سيما دارفور، والخرطوم، والجزيرة).
وفجرت شهادة امرأة تنتمي لإحدى القبائل الأفريقية الرعب، إذ هددها 6
مقاتلين من «الدعم السريع» بأنهم سيقيمون جميعًا عليها حفل اغتصاب في هذا اليوم،
وقتلوا زوجها وابنها عندما حاولا الدفاع عنها، وفقًا لمنظمة «هيومن رايتس ووتش».
وقالت المنظمة: إن 5 من أفراد «الدعم السريع» هجموا على أسرة واغتصبوا
امرأة تدعى هبة (22 عاماً)، أمام أطفالها، بعد أن قتلوا زوجها وولديها بالرصاص
أمام عينيها، وخيّروا أطفالها بين الصمت أو القتل.
ونقلت وسائل إعلام دولية عن أُم نزحت من مدينة الفاشر (شمال دارفور) أنها
شاهدت اثنين من المسلحين بزيّ «الدعم السريع» يقتحمان منزلها ويغتصبان ابنتها
البالغة 23 عاماً أمام عينيها بينما كانت تصرخ طلباً للنجدة.
كما أبلغت ناجيات أخريات في شهاداتها لمنظمات دولية عن اغتصاب جماعي، حيث
قالت فتاة سودانية (18 عامًا) أنها سحبت مع مجموعة من النساء من قريتها «فايو» إلى
قاعدة عسكرية، واحتجزن تحت حراسة مشددة لمدة 3 أشهر، ربطت خلالها بعضهن بالسلاسل
واغتصبهن المقاتلون يوميًا.
كما وثقت منظمات محلية حالات انتحار جماعي أو فردي لنساء وفتيات اخترن
إنهاء حياتهن هربًا من فضيحة الاغتصاب، حيث كشفت شبكة «صيحة» للنساء الأفريقيات عن
مقتل 10 فتيات وسيدات من قرى شرق الجزيرة بدائرة ود مدني خلال شهر واحد في نهاية
عام 2024م عقب اغتصابهن جماعياً.
سلاح الإذلال
وكانت المنظمات الدولية قد اهتمت بمتابعة الجرائم الجنسية في السودان، حيث
قالت منظمة «أمنستي»: إن اعتداءات «قوات الدعم السريع» على النساء والفتيات «مروعة
ومنحطة»، هدفها إذلال السكان ونشر الخوف، وذكر تقريرها، الصادر في أبريل 2025م،
وقوع 36 حادث اغتصاب فردي أو جماعي في 4 ولايات (مع ضحايا قاصرات) بين أبريل 2023
وأكتوبر 2024م.
وبحسب نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ندى الناشف، فإن
97 واقعة عنف جنسي استهدفت 172 شخصاً (غالبيتهم نساء وفتيات) جرى توثيقها في
النزاع.
وحذر الخبراء الأمميون مراراً من «وباء العنف الجنسي»؛ إذ وصفت «يونيسف»
اغتصاب 221 طفلاً منذ مطلع عام 2024م بأنها فظائع تصل لمرتبة جرائم حرب.
وطالبت بعثة خبراء الأمم المتحدة بضرورة التحقيق في «حالات الاتجار الجنسي
واستعباد النساء»، ومحاسبة المجرمين قبل الإفلات من العقاب.
وأفادت التقارير الدولية والمحلية أن جرائم الاغتصاب انتشرت في كل المناطق
التي وقعت تحت سيطرة «الدعم السريع»، أبرزها: دارفور وكردفان (الغربية والجنوبية)
وولايتا الخرطوم والجزيرة وولايات دارفور الأربع التي يسيطر عليها «الدعم السريع».
كما سجلت تقارير محلية شهادات مئات النازحات من دارفور شاهدن عمليات اغتصاب
فردية وجماعية ارتكبت من أفراد تابعين لـ«الدعم السريع»، كما أوضحت تقارير «هيومن
رايتس ووتش» أن «الدعم السريع» نفذت هجمات على قرى عدة في جنوب كردفان، مصحوبة
بحملات اغتصاب جماعي.
وفي وسط البلاد، أفادت تقارير ومنظمات أهلية بأن «قوات الدعم السريع» نفذت
عمليات تعذيب واغتصاب جماعي للنساء أثناء اجتياحها لولايتي الجزيرة وسنار.
الاتجار الجنسي
وأشارت جهات دولية إلى أن عمليات الاغتصاب في السودان تعدت كونه عنفاً
فردياً لتشمل الاتجار بالبشر واستعباداً جنسياً، فنصّ بيان خبراء الأمم المتحدة
(جنيف 2024م) على ورود تقارير عن فتيات (بعضهن بعمر 14 عاماً) يتم اختطافهن وبيعهن
فيما يوصف بـ«أسواق العبيد» تحت سيطرة «قوات الدعم السريع».
ونبهت بعثة تقصي الحقائق الدولية إلى تصاعد العنف الجنسي ليشمل «اغتصاباً
واستغلالاً جنسياً وخطفاً لأغراض جنسية، فضلاً عن زيجات قسرية واتجار بالبشر».
كما وثقت منظفة العفو الدولية حالات استعباد جنسي طويل الأمد، حيث أفاد
تقرير أممي بوجود نساء محتجزات لساعات أو أيام في مواقع احتجاز لـ«قوات الدعم
السريع»، يغتصبن يومياً ويسحقن جسدياً.
وانتشرت فيديوهات لأفراد من «الدعم السريع» على مواقع التواصل الاجتماعي وهم
يعرضون بيع فتيات سودانيات مغتصبات في سوق للعبيد بدارفور بعد أن تم جلبهن من
مناطق الخرطوم ووسط السودان، باعتبارهن ينتمين إلى العرب (الجلابة) الذين يحكمون
البلاد منذ استقلال السودان في عام 1956م وحتى الآن.
وتؤكد منظمات حقوق الإنسان والناشطون أن هذا الأمر قد يشكل تطورًا مخيفًا
للعنف الجنسي، لكن العدد الأكبر من المغتصبات يصعب توثيقه بسبب حرص الضحايا وأسرهم
على إخفاء الأمر خوفًا من وصمة العار التي قد تلحق بهم.