عميد المعتقلين السوريين في حوار لـ«المجتمع»..

الطيار رغيد الططري: لم أقدم طلب استرحام للنظام طيلة 4 عقود.. وتوقعت سقوط الأسد


بعد غياب يفوق الوصف، وأمل يقهر كل التحديات، وسقوط للجلاد تجاوز كل التوقعات، ووسط كل هذا الزخم من المفارقات، خرج الطيار السوري رغيد الططري من معتقلات عائلة الأسد، وتحول إلى أيقونة من الثبات والتضحية والإخلاص لشعبه، لرفضه قصف حماة، عام 1982م، ما تسبب له في غياب خلف الأسوار تجاوز 4 عقود، لكنه دخل صادقاً وخرج أكثر صدقاً ومتسقاً مع ذاته ومبادئه وحبه لوطنه.

لم يفقد الططري الأمل طيلة هذه العقود، وخرج من غياهب السجون ليرى سورية بدون بشار الأسد، ليثبت للجميع أن القيم والمبادئ لا تتجزأ، وحب الوطن والإخلاص له ليس شعارات زائفة، لكنه أعمار تفنى وشباب يهرم وأجيال تتوالى، لكن القيم واحدة، وطريق الحرية واحد وضريبته معروفة لكن نهايتها ومغنمها عظيم.

أجرت «المجتمع» هذا الحوار مع عميد المعتقلين السوريين، الطيار السوري رغيد الططري، ابن دمشق، فهو من مواليد 8 يناير 1955م، بالعاصمة السورية، ووالدته من الجولان، لكن أصول عائلته من حلب.

بعد 43 عاماً في السجن، نريد أن نعرف محطات حياتك الأولى؟

- محطاتي الأولى كثيرة، لكن أهمها التي لا أنساها احتلال الجولان؛ لأنني لا أستطيع أن أنساه؛ حيث إن لنا أرضاً هناك، فوالدتي من الجولان، وصار لي رغبة حينها لاسترداد الأرض؛ لذلك التحقت بالكلية الجوية حتى أصير طياراً وذلك عام 1972م.

ما سبب اعتقالك؟ حدثنا عن تفاصيله ووقعه على نفسك وعائلتك.

- اعتقلت في 24 نوفمبر 1981م، والسبب معروف ومتداول، وهو عدم تنفيذ أوامر القيادة؛ لأننا بدأنا نشعر في هذا الحين بأن القيادة صارت غير وطنية، ولا تحقق المهام الموكلة إليها، حيث صار الجيش والطيران يستخدم لإرهاب المواطن وقمع الوطن.

4 عقود في السجن كفيلة بمحو ذاكرة أي شخص، كيف كنت تتواصل مع الخارج؟

- بذلت غاية الذروة في مجاهدة نفسي وخواطري حتى لا أتأثر بالسجن وأنهزم نفسياً، فكنت أخرج بعقلي وتفكيري وأحلامي خارج السجن، وأعيش أحلام اليقظة، وكانت هناك أمور تتجدد وتدفع بنا إلى الأمل، حيث تمكنت من الحصول على «موبايل» عام 2016 وحتى عام 2021م، عبر تهريبه، لكن تم ضبطه، فتم ترحيلي من سجن السويداء إلى سجن طرطوس.

ما السجون التي مكثت بها؟ وكيف مرت عليك هذه السنوات؟

- منذ أن تم اعتقالي تنقلت في سجون كثيرة، فقد مكثت 3 سنوات في سجن المخابرات العامة، ومنها إلى سجن المزّة لمدة سنة ونصف سنة، ثم إلى معتقل تدمر، فبقيت فيه 15 سنة من الفترة من عام 1986 إلى 2001م، وبعد تدمر انتقلت إلى سجن صيدنايا -سيئ الذكر- حتى عام 2011م وقيام الثورة السورية، ومنه إلى سجن عدرا لمدة 5 سنوات، حيث تم نقلي منه بسبب تهم ملفقة، وهي الإعداد للانقلاب على النظام من داخل السجن، ثم نقلي إلى سجن السويداء حتى عام 2021م، ومنه إلى طرطوس حتى عام 2024م، إلى أن خرجت على يد الثوار.

كيف كان تتم معاملتك كطيار سابق داخل السجون؟

- طبيعة معاملتي كطيار داخل السجون كانت قاسية معي ومع الطبيب والمهندس، وأقل من معاملة المعتقلين والسجناء العاديين.  

حدثنا عن معيشتك، وما لاقيته من أهوال طيلة 43 عاماً؟

- بالطبع مررنا بظروف سيئة للغاية طيلة أكثر من 4 عقود، خاصة في معتقل تدمر، فالحياة كانت هناك مهدورة، والموت أمر سهل بالنسبة لنظام الأسد، لكن أنا ما أحب الحديث عن التعذيب، وأود تجاوز هذه المرحلة السيئة في تاريخنا.


مســـالـــــخ الظـــــلم.. التاريخ الأسود لعائلة الأسد
مســـالـــــخ الظـــــلم.. التاريخ الأسود لعائلة الأسد
مرعب " مسالخ الظلم "مادة وثائقية تكشف أسرارا تفضح تاريخًا أسودًا صنعته عائلة الأسد بالنار والدم في أجساد السوريين.مادة تصحبك إلى تاريخ مظلم لحقبة سوداء في تا...
www.youtube.com
×


هل كانت تتم مساومات معك طيلة سجنك؟ وكيف كنت تتعامل معها؟

- بالطبع كانت هناك مساومات، وأنا طيلة 43 سنة ما قدمت طلب استرحام، لكنَّ هناك فرقاً بين طلب قانوني وطلب للاسترحام، أو الإفراج مقابل أن أكون خادماً للنظام، فأنا قدمت طلباً فقط لأجل التساؤل عن سبب اعتقالي، ولماذا يتم اعتقالي بدون سبب كل هذه المدة الطويلة، لأثبت حالة قانونية فقط، وليس استذلالاً للنظام.

وبالفعل قدمت طلب إخلاء سبيل عبر محاميتي جيهان أمين، الغاية منه وضع النظام أمام المسؤولية القانونية، وأنا حالياً أراجع ما قدمته من طلبات تم رفضها لأجل إخلاء سبيلي ومقاضاة من قاموا برفض هذه الطلبات قانونياً.

اكتشفنا من خلال متابعتك أن لك ابناً، كيف كنت تتواصل مع عائلتك؟

- نعم لي ابن، وقد تواصلت معه لأول مرة، حينما تمكنا من تهريب «موبايل» عام 2016م، وهو الآن متزوج ويعيش في كندا، ومتخصص في برمجة الكمبيوتر، وأنا لا أحب إزعاجه بكثرة الاتصالات، لكثرة عمله.

ما الأمل الذي كنت تعيش عليه طيلة كل هذه الفترة؟

- أملي الذي كنت أعيش عليه هو سقوط النظام، وكان هذا الأمر أهم من خروجي بالنسبة لي؛ لأن خروجي مع وجود النظام لن يكون له أي معنى، ولكن كان سبب محبتي للخروج هو رؤية والدتي، التي توفيت في عام 2012م.


جرائم الأسد التي لا تُغتفر في أقبية السجون السورية |  مجلة المجتمع الكويتية
جرائم الأسد التي لا تُغتفر في أقبية السجون السورية | مجلة المجتمع الكويتية
في 8 ديسمبر 2024م، شهدت سورية يوماً تاريخياً مع سق...
mugtama.com
×


هل دار في خيالك مثل هذه النهاية لعائلة الأسد؟

- في الحقيقة، الشعب السوري كله كان سجيناً ومرهوناً في أسره بوجود عائلة الأسد، التي كنت أتوقع سقوطها، لكن في الحقيقة، لم أكن أتوقع سقوطها ومحوها بهذه الطريقة، كنت أتوقع استبعاد الأسد، أو إرغامه على ترك الحكم، لكن بهذه الصورة التي تمت لم أكن أتوقعها، ولكنه أمر الله الذي خفف عن كل السوريين الذين كان يعيشون في سجن كبير ولا يشعرون.

ونحمد الله أن نهايته كانت سلسة، وقد اقتلعت جذور عائلة الأسد، بدون إزهاق أرواح وحرب دموية أثناء دخول الثوار لدمشق.

علمنا أنك اتخذت طريقاً قانونياً لأجل أخذ حقوقك، لماذا سلكت هذا الاتجاه؟

- بالنسبة للمسار القانوني، كان عندي شعور بسقوط النظام وسوف تتم محاسبته، وأنا قدمت طلبات لإخلاء السبيل وليس للعفو، وقد تم رفضها، وقد سجلت هذه الطلبات، حتى لا يتعلل أحد ممن قام برفض إخلاء سبيلي بأنني لم أقدم طلباً أو أنني كنت غير موجود، أو لم يأتني طلب رسمي بضرورة إطلاق سراحي.

ما رسالتك للثابتين على مبادئهم، والناس؛ شعوباً وحكّاماً؟

- رسالتي للثابتين على مبادئهم أن الإنسان موقف، وحياته موقف، فليس حياة الإنسان للطعام والشراب فقط، وكنت أتساءل للموالين للنظام: ما سبب ارتباطك به وهو في أقصى درجات الفساد؟! نظام يقوم بجني الأموال عبر الحواجز، يغسل العقول والأدمغة بالوهم ويقول: «حرب تشرين التحريرية»، وهي انتكاسة أكثر من «حرب 1967م»! فلم يكن خلافي مع النظام شخصياً، بل مبدئياً، وأنا أحيي الشعب السوري على صموده، الذي تألم بجميع طوائفه.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة