‌بمن يستغيث العبد لابن نباتة السعدي

‌بمن يستغيث العبد لابن نباتة السعدي (بحر الطويل):

بمن ‌يســـتغـيــــثُ ‌الـــــعبدُ ‌إلا ‌بربِّه      ومنْ للفتى عند الشــــــــــــــدائــــدِ والكَـــــــــــــــــــــــرْبِ

ومَن مالكُ الدنيا ومالكُ أهلِها      ومن كاشفُ البلوى على البُعدِ والقُربِ

ومن يدفعُ الغَمَّاءَ وقتَ نزولـها     وهل ذاك إلا مـــــــــــــــن فـــــــعــــــــــــالـِك يــــــــــــــــــــــــا رَبِّى

حول الأبيات

هذه الأبيات تُعبّر عن حالة من التوجّه الخالص إلى الله تعالى في أوقات الشدة والضيق، وهي نمط من الشعر الديني أو الزهدي الذي يغلب عليه طابع الدعاء والمناجاة.

معنى البيت الأول:

يطرح الشاعر سؤالاً بلاغياً يؤكد من خلاله أن الملجأ الوحيد والحقيقي للعبد عند نزول المصائب (الشدائد والكرب) هو الله تعالى، فكلمتا «العبد» و«الفتى» تشيران إلى الإنسان بصفته المخلوق الضعيف المحتاج إلى قوة خالقه.

ومن الأساليب البلاغية في الأبيات:

  • الاستفهام الإنكاري: «بمن يستغيث.. إلا بربه» وهو أسلوب يُفيد الحصر والتأكيد على أنه لا ملجأ إلا الله.
  • التوازن: بين «العبد» و«ربه»؛ مما يوضح علاقة الخلق والضعف مقابل الخالق والقوة.

معنى البيت الثاني:

يستمر الشاعر في تعداد صفات الله التي تجعله الملاذ الآمن. فهو المالك الحقيقي للكون ومَن فيه، وهو القادر وحده على كشف الضر والأذى (البلوى) سواء كان المحتاج بعيداً أم قريباً، مما يعمّم الرجاء ويوسع دائمة الرحمة.

ومن الأساليب البلاغية في هذا البيت:

  • التكرار: تكرار كلمة «مالك» يؤكد سيادة الله المطلقة.
  • الطباق: «على البعد والقرب»؛ وهي صيغة تضمينية تعني في كل مكان وزمان، مما يُظهر سعة قدرة الله.

معنى البيت الثالث:

يصل الشاعر إلى ذروة المناجاة؛ «الغماء» هي الشدة العظيمة والهمّ الثقيل الذي يعمّ ويغطي مثل السحابة الكثيفة.

يسأل الشاعر: من يستطيع دفع هذا البلاء الجلل عند حلوله؟ ثم يجيب بنفسه بطريقة مباشرة ومخاطبة لله: أليس ذلك إلا من صفاتك وأفعالك يا ربي؟

ومن الأساليب البلاغية:

  • الاستعارة: كلمة «الغماء» استعارة للشدة والهمّ العظيم.
  • أسلوب النداء: «يا ربي» الذي يُظهر التذلل والخشوع والاحتياج المطلق.
  • الخاتمة القوية: تنتهي الأبيات بتوجيه الخطاب مباشرة إلى الله؛ مما يُشعر وكأن الأبيات كلها دعاء يرفعه الشاعر.

فالأبيات لوحة شعرية مرسومة بلغة بسيطة لكنها مؤثرة، تخلو من التكلف وتعبر عن إيمان صادق وضرورة اللجوء إلى الله وحده، وهي تذكر الإنسان بضعفه وحاجته، وتذكره في الوقت نفسه بعظمة وقدرة وملك من يجيب دعوته.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة