«حق ياسين».. درس الأسر العربية ضد التحرش

د. عمرو نافع

21 مايو 2025

268

لا تزال قضايا التحرش الجنسي بالأطفال تشغل الرأي العام العربي، وقد كانت واقعة الطفل المصري ياسين أيقونة في هذا الجانب بعد ظهوره في جلسات محاكمة المعتدي عليه بلباس الأبطال الخارقين، وتمكنه بفضل دعم أسرته والمجتمع من فضح الجريمة التي حدثت بحقه ومعاقبة الجاني بالسجن المؤبد.

تعود تلك الواقعة التي شهدت تطورات قانونية وقضائية متلاحقة، لطفل مصري عمره 6 سنوات، تعرض قبل أكثر من عام لهتك عرض، داخل مدرسة خاصة للغات بمدينة دمنهور، وأشارت التحقيقات إلى أن المتهم كان يعمل مراقباً مالياً تابعاً لمطرانية البحيرة، والغريب أنه يبلغ من العمر 79 عاماً.

وقد أثارت الحادثة غضب المجتمع المصري، ودشن النشطاء الاجتماعيون وسماً باسم «حق ياسين لازم يرجع»، ووقف كثير منهم أمام أبواب المحاكم، في خطوة مهمة لمساندة أسرة الطفل التي تعرضت لتهديدات عدة من إدارة المدرسة، بعد افتضاح أمر تسترهم على الجريمة.

«لام شمسية» تشجع الأسر

استدعى المجتمع العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مسلسلاً مصرياً تم عرضه في رمضان الماضي باسم «لام شمسية»، ورأوا أنه قد منح الشجاعة لآباء الأطفال الذين يتعرضون لإساءة جسدية للحديث بشجاعة ونيل حق أبنائهم.

وفي العمل الدرامي يتعرض الطفل البطل أيضاً لاعتداء من صديق الوالد، ويفضل المحيطون الإنكار، حتى تقود أمه البديلة الشجاعة الجميع لرفع رؤوسهم من الرمال ومواجهة المعلم المصاب بـ«البيدوفيليا»؛ وهو اضطراب نفسي يجعل صاحبه منجذباً جنسياً للأطفال، ولديه أفكار قهرية حيالهم تقوده لسلوكيات شاذة بالتحرش والاعتداء على الأطفال في أوقات خلوته بهم، مع منحهم هدايا وتحذيرهم من الحديث مع أسرهم.


كيف نجنِّب أبناءنا أخطار التحرش الجنسي؟ |  Mugtama
كيف نجنِّب أبناءنا أخطار التحرش الجنسي؟ | Mugtama
من الأمور التي يجب على الوالدين الاحتياط لها، والو...
www.mugtama.com
×


هل أخبرك طفلك بشيء غريب؟

أحسن مجلس الصحة لدول التعاون الخليجي بإصداره كراسة توعية مهمة بعنوان «التحرش بالأطفال.. ما ينسكت عنه»، وهو موجه للأطفال الذين تعرضوا بالفعل لهذه الصدمة، ووفق الكتاب، فإن أول خطوة في مواجهة تلك الظاهرة هي تصديق الطفل حين يخبرك بأنه تعرض للتحرش.

عادة ما يقوم المعتدي جنسياً بغواية الطفل أولاً بتقديم الهدايا له والاهتمام به وقضاء أوقات طويلة مع ضحيته استعداداً للاستمالة الجنسية، وقد تكون لديه ميول سادية فيتلذذ بإيلام الطفل وضربه المبرح أو قتله بعد إشباع نفسه الآثمة جنسياً من جسد الطفل البريء.

تشمل وسائل التحرش الجنسي النظرة المريبة لأعضاء الطفل التناسلية، أو تحريضه على خلع ملابسه، أو مشاركة صور وأفلام إباحية معه، وصولاً للمس جسد الطفل وممارسة الفاحشة معه وانتهاك براءته.

إذا لم يخبرك فعليك أن تلاحظ تصرفاته إن بدت غير اعتيادية مثل العزلة والصمت أو اللجوء للعنف، فواجبك خلق بيئة آمنة لطفلك ليتحدث بأريحية وتجهيزه لمواجهة تلك المواقف.

عليك ملاحظة إذا حدثت اضطرابات في النوم كالخوف والكوابيس، أو إذا صدرت عنه أفكار تتعلق بإيذاء نفسه، أو لاحظت صعوبة لديه في التركيز أو انعدام للثقة في النفس، أو ظواهر جسدية كالتبول اللاإرادي في العمر الصغير، أو لاحظت معرفة جنسية لا تتلاءم مع نموه العمري.. هنا خط أحمر ويجب أن ننتبه له.

أرقام مفزعة

يشهد عالمنا اليوم موجة من الفكر الإباحي والانحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي بما يتنافى مع الفطرة السليمة، وتورد الكاتبة السعودية رقية بنت محمد الفلة في كتابها «ماذا تعرف عن التحرش الجنسي» الصادر عن دار «العربي»، إحصاءات مهمة من قبل منظمة حقوق الطفل (يونيسف)، تؤكد أن 91% من الاعتداءات الجسدية، و82% من الاعتداءات الجنسية، حصلت في أماكن يفترض أن تكون آمنة للطفل، وأيضاً أن 77% من المعتدين أشخاص يفترض أن يكونوا موضع ثقة للطفل.

ولا تزال البيئة العربية تعاني من التستر على تلك الانتهاكات، وهو ما يصعب وجود حصر دقيق للانتهاكات ضد الأطفال، ويعود ذلك لشعور كثير من الأسر بالخزي الملازم عادة لمثل هذه التجارب الأليمة، أو لصلة النسب التي تربط المعتدي بالطفل، والخوف من الفضيحة.

وبحسب الكتاب، فإن الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي، وفق الدراسات، يحتاج لتأهيل نفسي واجتماعي وصحي طويل، للتخلص من الأعراض الجسدية التي سيواجهها وترتبط بالألم في أماكن جسده الحساسة، وللتخلص نفسياً من شعوره بالعار والذنب لصمته أمام انتهاكه، وللتخلص من أعراض نفسية كثيرة منها رفض الذهاب لأماكن التجمعات أو الإصرار على إبقاء النور مضاء حتى وقت نومه، والشعور برهاب الناس.


سرطان «التحرش الإلكتروني».. خارطة طريق للعلاج |  Mugtama
سرطان «التحرش الإلكتروني».. خارطة طريق للعلاج | Mugtama
  يحمل التقدم الهائل في وسائل الاتصال...
www.mugtama.com
×


لا بصوت عال!

إن الصمت ليس من ذهب في حالة إيذاء أطفالنا؛ ففي حالة تعرض الطفل لخطر التحرش على الأبوين علاجه جسدياً بإزالة الآثار المباشرة كالجروح أو الكدمات، مع العلاج النفسي من اضطرابات ما بعد الصدمة وبناء روابط صحية بالآخرين.

علينا توفير مناخ آمن للطفل؛ فالعوامل الاجتماعية هي الأشد تأثيراً في ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، ويرجح أن الخلافات الأسرية التي تؤدي لحالة من التفكك داخل البيوت، أو وفاة أحد الأبوين أو كليهما، أو الاستهانة بالتربية الإسلامية الصحيحة، من بين أكبر عوامل تنشئة شخص يسهل استمالته أو يتحول هو نفسه لتلك الممارسات.

على المدارس بدورها تفعيل دور الاختصاصي الاجتماعي والنفسي في نشر التوعية المقدمة للأسر بإجراء برامج وقائية علاجية للأسر بكيفية التعامل مع تلك الحالات.

وبحسب كراسة مجلس الصحة الخليجي، فإن خطوات العلاج تبدأ بالاستماع لطفلك والتأكد من معرفته بأن جسده ملك له وحده، والتحدث معه عن الفرق بين اللمسات الآمنة وغير الآمنة، والتدريب على مواجهة الموقف المخيف والخروج منه مثل قول «لا بصوت عال» أو الهروب، والحذر من الأشخاص الذين يبالغون في العطف والكرم مع الطفل.

علينا أيضاً وقاية الطفل من التحرش الإلكتروني بوضع كلمات مرور لأجهزة الطفل، وتفعيل خاصية المراقبة الأبوية، وإخبار طفلك بعدم مشاركة معلومات شخصية، وتجاهل الرسائل من أشخاص مجهولين، مع حظر أي شخص لا نشعر معه بالراحة.

لقد واجهت الشريعة الإسلامية جريمة التحرش، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» (رواه البخاري) وإن بلغ الفعل حد الزنى أو اللواط مع الطفل، فإن الشريعة تطبق حدوداً رادعة على المعتدي مع توفر الشهادة والإقرار أو البينة، وإن لم يبلغ الفعل حد الزنى (مثلاً: اللمس أو الإيحاء الجنسي) يكون جزاؤه التعزير بعقوبة مناسبة تصل للسجن والتشهير، حسب خطورة الفعل.

ودعت الشريعة كل ولي لطفل برعاية من يعول، ودعت للتفريق بين الأبناء في الفراش، وحسن تنشئتهم على مراقبة الله في أفعالهم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة