«إسرائيل» تعيد رسم حدودها على حساب الضفة الغربية

الواثق بالله

11 يونيو 2025

145

أعلنت «إسرائيل»، في 29 مايو 2025م، عن قرار لا يمكن فصله عن النسق التصاعدي للمشروع الاستيطاني الصهيوني، الذي تجاوز منذ زمن مجرد تغيير الوقائع على الأرض، ليصل اليوم إلى مرحلة فرض السيادة وضمّ الأراضي المحتلة بحكم الأمر الواقع.

فقد تضمن القرار إنشاء 22 مستوطنة جديدة، من بينها 4 مستوطنات على الحدود الشرقية مع الأردن، في خطوة تعكس سعياً واضحاً لإعادة رسم الحدود الجيوسياسية لـ«إسرائيل»، وتحويل الضفة الغربية من «أرض متنازع عليها» إلى «فضاء إسرائيلي سيادي»، وفق الرؤية التوراتية التي يتبناها التيار اليميني الديني القومي المتطرف.

خطة ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية

في تصريحات وزيري الدفاع والمالية، نرى بوضوح الأبعاد الأيديولوجية للقرار، وهي تعزيز السيطرة الإستراتيجية على الضفة، وتثبيت التمركز في الشرق، وفرض السيادة لاحقًا.

فهذا ليس قرارًا عمرانيًا بقدر ما هو إعلان رسمي عن طيّ صفحة «أوسلو»، واستكمال عملية ضم الضفة الغربية بشكل تدريجي، تحت مظلة الأمن القومي «الإسرائيلي».

من المهم هنا قراءة القرار في سياقه الزمني: نحن أمام حكومة يمينية هي الأكثر تطرفًا في تاريخ «إسرائيل»، يقودها وزراء يؤمنون علنًا بأن «يهودا والسامرة» (الضفة الغربية) ليست أرضًا محتلة، بل هي قلب الدولة اليهودية، بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، أحد مهندسي القرار، لا يخفي نيته فرض السيادة الكاملة، ومحو الخط الأخضر نهائيًا.

ردود الفعل الدولية.. بين التنديد والتواطؤ

أمام هذا التطور الخطير، جاء رد المجتمع الدولي متوقعًا في صيغته ومحدوديته؛ الأمم المتحدة، وبريطانيا، والأردن عبّروا عن إداناتهم، لكن هذه الإدانات تبقى في إطار الدبلوماسية الناعمة، غير القادرة على كبح السلوك «الإسرائيلي» المتسارع.

حيث إن الإدانات المتكررة لم تعد تؤثر، لأن «إسرائيل» تدرك تمامًا أن الإرادة السياسية الغربية لم تعد مستعدة لتقديم أكثر من «التحذير»، ما دامت الأولويات تتجه نحو تطبيع العلاقات الإقليمية واحتواء إيران.

فرض الأمر الواقع وموت حل الدولتين

ما تقوم به «إسرائيل» اليوم هو تسريع العمل بإستراتيجية فرض الأمر الواقع؛ من توسّع استيطاني بلا سقف، ومصادرة للأراضي، وعنف ممنهج من قبل المستوطنين، وانهيار تدريجي لأي سلطة فلسطينية فاعلة على الأرض، جميع هذه الإجراءات تتجه نحو إنهاء قابلية تطبيق حل الدولتين، عبر تفكيك الجغرافيا الفلسطينية وابتلاعها ضمن خارطة استيطانية غير قابلة للتراجع.

وقد لخصت الموفدة الأممية سيغريد كاغ ذلك بدقة عندما قالت: إن «الضفة الغربية على مسار خطير»، فالمسار الحالي ليس مجرد تسارع في الاستيطان، وإنما ضم زاحف يتم تدريجيًا وعلنيًا، في ظل غياب ردع حقيقي.

التداعيات الإقليمية والدولية

من شأن هذا القرار أن يعمّق من عزلة «إسرائيل» الأخلاقية على الساحة الدولية، ولكنه في المقابل قد يعزز من تماسك القاعدة الانتخابية اليمينية لحكومة نتنياهو.

كذلك، فإنه يضع الأردن أمام معضلة أمنية وإستراتيجية، كون الاستيطان بات يهدد التوازن الجغرافي والديمغرافي على حدوده الغربية.

أما على مستوى العلاقات الدولية، فستجد العواصم الغربية نفسها أمام مأزق حرج؛ فإما الاستمرار في الشجب اللفظي مع تطبيع فعلي للعلاقات مع «إسرائيل»، وإما اتخاذ موقف عملي، وهذا أمر مستبعد في ظل التحولات الجيوسياسية الحالية.

نحو مرحلة ما بعد «أوسلو»

في ظل هذه التطورات، لم يعد من الواقعي الحديث عن حل الدولتين بوصفه خيارًا قائمًا، إلا إذا شهدنا تحوّلًا جذريًا في الموقف الدولي، وعودة إلى أدوات الضغط الحقيقي على «إسرائيل»، وهو أمر لا تلوح بوادره في الأفق.

ما يحدث الآن في الضفة الغربية ليس مجرد توسع استيطاني، بل هو محاولة لفرض معادلة سياسية جديدة؛ فلسطين بلا سيادة، بلا اتصال جغرافي، وبلا إمكانية حقيقية للدولة.

وهكذا، فإن القرار «الإسرائيلي» بإنشاء 22 مستوطنة جديدة ليس سوى فصل جديد في مشروع استيطاني إحلالي، لا يرى في السلام إلا هدنة، ولا في الفلسطينيين إلا عقبة ديمغرافية يجب تجاوزها.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة