الحركات الصهيونية الجديدة.. وجوه وأجندات (2)

«فتيان التلال» حركة يقودها شباب ويدعمها بن غفير ويلفظها العالم

د. خالد سعيد

24 يونيو 2025

76

في 29 يوليو 2025م، قررت الحكومة الهولندية منع الوزيرين «الإسرائيليين» إيتمار بن غفير، ويسرائيل سموتريتش، من دخول أراضيها بسبب تشجيعهما للعنف الذي يمارسه المستوطنون الصهاينة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ودعوتهما إلى التطهير العرقي في قطاع غزة.

ومن قبل في 10 يونيو الماضي، أعلن وزراء خارجية بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج، فرض عقوبات على بن غفير، وسموتريش، لأنهما يقومان بتحريض متكرر على العنف ضد المجتمعات الفلسطينية، وهي الدول نفسها التي فرضت، في وقت سابق، عقوبات على جماعة صهيونية متطرفة تدعى «فتيان التلال»، لعملها على إقامة بؤر استيطانية غير شرعية في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة.

وصفتها الخزانة الأمريكية بـ«المتطرفة العنيفة»

ورغم كون «شبان التلال» منظمة غير رسمية، فإن وسائل الإعلام العبرية ترى أن مثل هذه العقوبات ليست فعالة، ولن تجدي نفعًا، وهو ما حدا بدول أوروبية وعالمية أخرى إلى فرض المزيد من العقوبات على الحركة، كانت من بينها بالمناسبة الولايات المتحدة، التي فرضت في 7 أكتوبر 2024م، عقوبات مماثلة على «فتيان التلال»؛ وهي الحركة المتطرفة التي وصفتها وزارة الخزانة الأمريكية بأنها «جماعة متطرفة عنيفة، تهاجم الفلسطينيين بشكل متكرر وتدمر منازل وممتلكات فلسطينية في الضفة الغربية»!

وأشارت الوزارة الأمريكية في إعلان عقوباتها على الحركة إلى أنها تدمر بلدات فلسطينية وتنفذ عمليات قتل وحرق جماعي وغيرها من الهجمات التي يطلق عليها «تدفيع الثمن»؛ للانتقام وترهيب المدنيين الفلسطينيين، وكما اشتبكت مرارًا مع الجيش «الإسرائيلي» أثناء مواجهته لأنشطتهم.

تعترف صحيفة «زمان يسرائيل»، في 3 يوليو الجاري، بأن حكومة بنيامين نتنياهو تدعم الحركات الصهيونية المتطرفة، وعلى رأسها «فتيان التلال»، كما تغض الطرف عما تقوم به من أعمال عنصرية بحق الفلسطينيين، ما بين قتل وحرق وتهجير خارج أراضي الضفة الغربية.

العنصرية الصهيونية ضد الفلسطينيين.. «لهافا» نموذجاً |  Mugtama
العنصرية الصهيونية ضد الفلسطينيين.. «لهافا» نموذجاً | Mugtama
رغم حداثة عهدها وعدم اطلاع الكثيرين على أهدافها ال...
mugtama.com
×

التعريف بالحركة

بداية، تعد جماعة «فتيان التلال» من أشد وأعنف المجموعات الاستيطانية وأكثرها تطرفًا وإرهابًا، ويعيش معظم أعضائها في بؤر استيطانية بمدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة، ويرفضون إخلاءها، حيث تقوم بتنفيذ هجمات بشكل مستمر، وربما يومي، ضد الفلسطينيين، ومنهم انبثقت نواة جماعة «تدفيع الثمن» الاستيطانية المتطرفة، أيضًا.

تأسست الحركة المتطرفة في العام 1998م، ويتشكل أغلب أعضائها من شباب تتراوح أعمارهم بين 16 و26 عامًا فقط، وربما أقل، تركوا مدارسهم ومنازلهم للعيش في بؤر استيطانية على رؤوس تلال مطلة على القرى الفلسطينية، ويغلب عليهم لبس «الكيباه» (الطاقية اليهودية الصغيرة التي توضع على الرأس) وإطالة الشعر والضفائر.

العلاقة بين «فتيان التلال» و«غوش إيمونيم»

وتعتبر «فتيان التلال» امتداداً لحركة «غوش إيمونيم» التي تعني «كتلة الإيمان»؛ وهي حركة صهيونية استيطانية متطرفة، حيث أفاد الكاتب «الإسرائيلي» جدعون أورون، في 21 أبريل 2014م، بأن الجماعة الأولى جزء أصيل من الثانية (غوش إيمونيم) التي تأسست عام 1947م؛ أي قبل إعلان الكيان الصهيوني نفسه، ونشطت بعد نكسة عام 1967م؛ إذ يقوم عملها على الاستيطان وتصعيده حتى استيطان الضفة الغربية ككل.

تستند الحركة إلى أيديولوجية الحاخام إبراهام كوك، أهم وأخطر مفكري الحركة الصهيونية، والخطاب الديني القومي الذي يقوم على استيطان الأرض وبناء شعب المنفى، ويتلقى شبابها تعاليمهم من الحاخامات بشكل يومي، كما تتبنى فكرة أرض «إسرائيل الكبرى» ووجوب استخدام العنف والإرهاب لطرد الفلسطينيين من أرضهم بالقتل وإحراق الممتلكات، حتى الوصول إلى نهر الأردن، وإقامة دولتهم الصهيونية.

أكبر عمليات الحركة إرهابًا

ولا توجد وسيلة إعلامية عبرية تقدر عدد «فتيان التلال»، لكن حركة «السلام الآن» المختصة بشؤون الاستيطان، أوضحت في وقت سابق أن أعداد المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية ككل، يبلغ أكثر من 700 ألف.

من بين أكثر العمليات التي قامت بها «فتيان التلال»، ما جرى تنفيذه في بلدة المغير الفلسطينية، في 12 أبريل 2024م، حيث أشعلوا النار في منازل ومبان ومركبات، واعتدوا على سكان القرية ونهبوا الممتلكات، بما في ذلك الماشية وقتلوا مواطنًا فلسطينيًا؛ وقبلها في يونيو 2023م نفذوا هجومًا مماثلاً في بلدة ترمسعيا بالضفة الغربية، أسفر عن مقتل فلسطيني آخر وإصابة آخرين.

اقرأ أيضاً: 7 منظمات صهيونية تنكل بالفلسطينيين في الضفة الغربية

 التنسيق المشترك مع الجيش الصهيوني

وللدلالة على مدى التنسيق بين «فتيان التلال» والجيش والشرطة بشأن الهجمات ضد الفلسطينيين، ما أكدته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في 23 يناير 2023م، من أن شبان الجماعة شاركوا الجيش في إحباط عمليات تهريب قادمة من الأردن، وكلما فُرضت عقوبات ضد الجماعة، مثلما جرى من توقيع واشنطن عقوبات على 3 مستوطنين من عناصر الحركة، في 14 مارس 2024م، على خلفية قيامهم بأعمال عنف وإرهاب ضد الفلسطينيين في الضفة، خرج وزراء صهاينة للدفاع عنهم، على رأسهم بن غفير، الذي قال: «ما تقوم به الإدارة الأمريكية دليل آخر على أنها لا تفهم من العدو ومن الحبيب، والمستوطنون خير أبنائنا الذين يبنون ويجلبون أمن البلاد، فهم يستحقون التحية وليس سكينًا في الظهر»!

ولم تأت تصريحات بن غفير من فراغ، فهو يعتبر الحاخام دوف ليئور من أبرز القادة الحاليين للجماعة، بل ملهمها والأب الروحي لها، الذي يقوم فكره الأيديولوجي على السيطرة على كامل فلسطين من البحر إلى النهر، وتدمير أي كيان آخر من أجل بقاء الكيان الصهيوني؛ كما يؤمن ليئور بضرورة تحقيق ما يزعمه وأمثاله بـ«الحق التوراتي»؛ حيث سبق وخطط لتفجير قبة الصخرة، وكذلك يؤمن بتدمير العرب وقدوم «المُخلِّص»، بالمفهوم التوراتي.

استفحال نشاط الحركة

وبمرور الوقت، ومع تصاعد عمليات العنف لـ«فتيان التلال»، أكد الجنرال بوعاز جلعاد أن نشاط الحركة في تصاعد عنيف وغير مسبوق للتطرف، حيث ذكر في تقرير مطوَّل بصحيفة «معاريف» العبرية، أن هناك حالة غير عادية تستشري وتستفحل في مستوطنات الضفة الغربية، بعد تزايد حالات الاعتداء على الفلسطينيين، وتكرار حوادث الحرق العمد للحرث والأرض والماشية والمركبات، حتى إن الجنود ورجال الشرطة لم يسلموا منهم!

وأكد جلعاد، وهو ضابط سابق في جهاز «الشاباك»، في التقرير المنشور في 27 يوليو 2025م، أن الحركة مدفوعة بأيديولوجيا دينية يمينية، تعيش على هامش القانون ولم تعر له أي اهتمام، بل تزدري القانون «الإسرائيلي»، معتبرًا إياهم (فتيان التلال) شباباً منعزلاً عن أنظمة الدولة الصهيونية لأنها فقدت السيطرة عليهم، ويقصد هنا أنها أطلقت لهم العنان ليرتعوا ويفسدوا في الأرض بحق الفلسطينيين العُزَّل.

مطالب «إسرائيلية» بتغليظ عقوبة أعضاء الحركة

الغريب أن الكاتب «الإسرائيلي» قد اعترف بأن «فتيان التلال»، وغيرها من الحركات الصهيونية ستصبح سمة ولغة رسمية للأجيال الصهيونية القادمة، معترفًا بأن الحركة في حالة انتشار واسع بين شباب المستوطنات وتزداد عنفوانًا وقوة وتطرفًا، بمرور الوقت، ولا يمكن السيطرة على شبابها مستقبلاً؛ وهي شهادة من صهيوني خوفًا من تأثير الجماعة المتطرفة على مستوطني بلاده، فما بالنا بتأثيرهم اليميني المتطرف على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية؟! خاصة وأنه يطالب بتشكيل لجان خاصة لمعالجة عنف «فتيان التلال» وتغليظ العقوبة بحقهم!

وعلى النقيض من ذلك، قرر يسرائيل كاتس، وزير الدفاع «الإسرائيلي»، مطلع العام الجاري، إلغاء الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين، إلا أنه بمرور الوقت لم يكتف المستوطنون الصهاينة بمهاجمة المدنيين الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة، بل وسعَّوا اعتداءاتهم مؤخرًا لتشمل جنود وعناصر شرطة «إسرائيليين»؛ بدعوى أنهم يعرقلون أهدافهم اليمينية بحق الفلسطينيين، ويمنعونهم من تحقيق مرادهم بإرهاب وتهجير الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية!

فقد هاجمت عناصر «فتيان التلال»، في 30 يونيو الماضي، جنودًا وعناصر شرطة «إسرائيليين»، وأحرقوا الموقع الأمني بنيامين، وسط الضفة الغربية، الذي يحتوي على أنظمة تساعد في إحباط الهجمات والحفاظ على الأمن في منطقة لواء بنيامين نفسه.

فقدان السيطرة الفعلية على الحركة

الحادث اعتبرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في 3 يوليو الجاري، عنوانًا جديدًا لفقدان السيطرة على مثل هذه الجماعات المتطرفة، حيث رأي زعيم حزب الديمقراطيين المعارض يائير غولان، أنه سيستمر البعض في وصفهم بالأعشاب الضارة و«فتيان التلال» وأقلية متطرفة، لكن هذه لم تعد جماعة هامشية، إنها جناح مسلح وعنيف يعمل بشرعية الحكومة، في اعتراف صريح بأن حكومة نتنياهو تدعم؛ معنويًا، وربما ماديًا، جماعة «فتيان التلال»، خاصة وأنه وصف هذه الجماعات المتطرفة بـ«مليشيات بن غفير وسموتريتش»، الذين يرون في القانون والجيش عقبة غير ضرورية في طريقهم نحو الضم (الضفة الغربية) ولم يكتفوا بالعنف ضد الفلسطينيين.

ومن السخرية في الأمر، أن الحاخام حاييم يروحام (والد الوزير بتسلئيل سموتريتش) يقوم بالتدريس لـ«فتيان التلال»، داخل معسكرات تدريب تقام على أراضٍ فلسطينية محتلة، ليجدد ابنه، وزير المالية (سموتريتش نفسه) القول: إن العام 2025م سيكون عام السيادة «الإسرائيلية» على كل الضفة الغربية، وهو التصريح الذي ألقاه في كلمة لتهنئة دونالد ترمب بفوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، في نوفمبر من العام الماضي.

مستقبل الحركة

وتؤكد وسائل الإعلام العبرية، أن «فتيان التلال» نجحت في إقامة 170 بؤرة استيطانية في الضفة تحت أعين الحكومات الصهيونية المتعاقبة، وليس في معتقد الجماعة الاحتلال فحسب، بل تؤمن بوجوب قتل الفلسطينيين، بناء على فتاوى الحاخامات، حيث يقول أعضاء الحركة: «إنه في الحرب يسمح بقتل الرجال والنساء والأطفال والمسنين»، وهو ما شدد عليه الحاخام ليئور، خلال حرب الإبادة الدائرة في قطاع غزة.

بين يوم وليلة تخرج علينا حركات وجماعات صهيونية جديدة، تنبثق واحدة من أخرى، وتخرج ثالثة من رحم جماعة ثانية، تؤمن بقتل الفلسطينيين وإرهابهم حتى يتركوا الضفة الغربية جبرًا، ويقوموا باستيطان الأراضي الفلسطينية، وما «فتيان التلال» إلا واحدة من أشد وأعنف الحركات الصهيونية الحديثة التي خرجت من رحم حركة قديمة جديدة، وهي «غوش إيمونيم» المتطرفة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة