أفيقوا.. إنها حرب سلب الإرادة!

يتطور بشكل
متسارع وهائل وخطير شكل الحروب في العصر الحديث، ومن آن إلى آخر، تضاف أدوات
جديدة، وتستحدث أساليب مبتكرة، وتكتيكات نوعية، وخطط سرية، بشكل يصعب معه التنبؤ
بموازين القوى، ولمن تكون الغلبة في نهاية المطاف، والسيطرة على البشر، قبل
السيطرة براً وبحراً وجواً.
نعم، تظل
الأدوات التقليدية حاضرة ذات الكثافة النيرانية والقوة التدميرية واسعة النطاق،
مثل الصواريخ بعيدة المدى والقنابل الفتاكة والعبوات الناسفة، لكن وسائل جديدة
استحدثت، وباتت تُحدث تفوقاً نوعياً في ميادين القتال، مثل الطائرات المسيرة،
والهجمات السيبرانية، والروبوتات القاتلة.
لكن تجارب
الحروب غير المتماثلة في مناطق ساخنة مثل قطاع غزة تحديداً، ولبنان واليمن وسورية
وأوكرانيا، أبرزت أهمية تبني تكتيكات جديدة، وابتكارات نوعية، لها تأثيرها
المتعاظم على مجريات المعارك، مثل الأنفاق، والطائرات الشراعية، وقبل ذلك، كفاءة
العنصر البشري، ومدى جهوزيته، وقدراته، ومهاراته، وصلابة عقيدته القتالية.
هنا تحديداً،
يكمن عنصر القوة الذي يمكن له أن يتصدى لأعتى الآلات العسكرية، والجيوش البربرية،
وهو ما فطنت إليه حركات وفصائل المقاومة في بقاع مختلفة من عالمنا العربي
والإسلامي، خاصة في فلسطين الأبية، فصنعت مقاتلاً مرابطاً مجاهداً، يأخذ بكل
الأسباب، ويتلمس خطى الصحابة رضوان الله عليهم، ويقتدي بنبيه الكريم محمد صلى الله
عليه وسلم.
إن هذا الأمر لم
يغب عن أذهان العدو، الذي وضع العنصر البشري في وقت مبكر، في مواجهة محتومة مع
حروب المستقبل، مستعيناً بالعلم والمال والكفاءات والتكنولوجيا، ليغزو العقول،
ويسلب الإرادات، ويحتل النفوس.
التحكم
عن بُعد
تلك الحرب
الضروس بدأت فعلياً، وازدادت شراسة، خاصة في العقدين الأخيرين، وهي معنية في
المقام الأول بسلب الإرادة، والسيطرة عن بُعد على العنصر البشري، في سن مبكرة، تبدأ
من مرحلة الطفولة ثم المراهقة، والتحكم في خياراته، وتوجيه قدراته إلى حيث يريد
العدو، وشل حركته بحيث لا تغادر العالم الافتراضي.
يحضرنا مشهد هذا
الطفل جيداً، الذي كان يتجول في أروقة ناد، وهو يتخيل أنه ممسك ببندقية، ويضغط على
الزناد، مستهدفاً رواد النادي، واحداً تلو الآخر، في مشهد تمثيلي، أدركنا أنه يؤدي
من خلاله دوراً في لعبة إلكترونية، هيمنت عليه، وجعلته مدمناً لها، ليصطاد ضحاياه
بهذه الطريقة، عبر «ببجي» و«مومي» و«الحوت الأزرق» و«البوكيمون» و«تشارلي» و«مريم»..
وغيرها من ألعاب الإنترنت والهاتف الجوال.
هذه هي حرب
المستقبل، حرب سلب الإرادة، التي تغولت على حياتنا، فصارت تختطف أطفالنا وشبابنا
إلى عالم آخر من العزلة والهوس والعنف والإباحية والإدمان، فيمكث الطفل أو الشاب
ساعات وأياماً برفقة لعبة، وقد يحتضن هاتفه الجوال عند نومه، ويستيقظ على تصفحه،
كأنه رفيق له، ليفقد تدريجياً الإحساس بالزمان والمكان، بل ودفء الأسرة التي يعيش
بينها.
عن بُعد، وعبر
شركات عملاقة، وكابلات بحرية تمتد آلاف الكيلومترات، تستمر حرب الإنترنت، ويتواصل
الغزو الإلكتروني، ليخترق حصون بيوتنا وأسرنا، ملتهما أوقات أبنائنا في ألعاب
تافهة تبدد المال والجهد، وتفتك بالعقل والبدن، وتهدر حياتهم في صراعات وهمية لا
ينبني عليها منفعة للإنسان أو المجتمع، بل قد يزداد الأمر سوءاً، حال الإدمان،
ليصبح المراهق الذي كنا نعده ليخدم أهله ووطنه ودينه ضحية لـ«لعبة».
فن
الحرب
ومما زاد الطين
بلة الانغماس المتنامي في ألعاب الجنس والقمار والإلحاد، والانسحاق تحت وطأة تغول
وسائل الاتصال والتواصل والذكاء الاصطناعي، بشكل مرعب وفائق الخطورة، يحقق ما تنبأ
به الجنرال الصيني صن تزو في كتابه «فن الحرب»، حينما قال: إن ذروة المهارة أن
تُخضع العدو دون قتال.
«فن الحرب» يؤكد أن سر الانتصار معرفة الذات ومعرفة الخصم قبل كل شيء، والقدرة على التواجد في معقل العدو، عبر توزيع العيون وتقصّي الأخبار، بما يكفل للقائد الجيد أن يربح الحرب حتى قبل أن يخوضها.
فقط، على سبيل
التجربة، تحدث مع زوجتك أو ابنك، وأنت تتابع موقعاً من مواقع التواصل، أو تستخدم
تطبيقاً من تطبيقات الهاتف الذكي، في غضون لحظات، ستجد سيلاً من الإعلانات
والمنشورات ومقاطع الفيديو التي تتوافق مع حديثك، وكأن أحداً كان يتنصت عليك،
ويشاركك الحديث مع أهل بيتك.
بل إن كل إجراء رقمي تقوم به، أو تطبيق إلكتروني تستخدمه، يعني المزيد من المراقبة والتحكم وسلب الإرادة عن بُعد، وربما لاحقاً، تفخيخ تلك التقنيات واستخدامها، بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي -إذا دعت الضرورة- في قتل الإنسان، أو شل حركته، أو إصابته بفيروس مدمر.
لم يعد العدو في
حاجة إلى إرسال عشرات أو مئات الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح والطائرات
والقاذفات والغواصات، وهي خطوة بإمكانه وتحت يديه؛ لإتمام السيطرة على الأرض
والبشر، لكنه قبل ذلك، يرسل جنوده من الألعاب الإلكترونية والتطبيقات الذكية
والبرامج الاصطناعية، والملهيات والمغريات من كل شكل ولون، فيسلب الإرادة، ويجعل
من ملياري مسلم غثاء كغثاء السيل، إلا من رحم الله.
احذروا، وأفيقوا قبل أن تُسلب إرادتكم.