أهل الرأي والسيادة .. للأفوه الأودي


حول الأبيات:

البيت الأول: وَالخَيرُ تَزدادُ مِنهُ ما لَقيتَ بِهِ * وَالشَرُّ يَكفيكَ مِنهُ قَلَّ ما زادُ

ومعناه كلما عاملت الناس بالخير ازددت منه خيرًا، فهو كالغرس الطيب يثمر دائمًا. أما الشر، فالقليل منه يكفي لإفساد الكثير، بل كل زيادة فيه مهلكة لصاحبه وللناس. وهو يدعو إلى الاعتدال والإحسان، ويحذر من التمادي في الشر. فالخير متضاعف الأثر، والشرّ متفجّر الضرر.

التحليل الفني

مقابلة بلاغية بين الخير والشرّ، تبرز المعنى.

موسيقى البيت ناعمة في شطره الأول، وحادة في الثاني، موافقة لطبيعة المعنى (الخير يُريح، والشر يُقلق).

فيه حكمة جامعة: "الإفراط في الشر مهلك، والإكثار من الخير محمود."

البيت الثاني: وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ * وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ

لا يُبنى بيت إلا بأعمدةٍ قائمة، ولا تقوم الأعمدة إلا إذا ثبتت أوتادها في الأرض. يشبّه المجتمع أو الدولة بالبيت، فكما أن البيت لا يقوم بلا أعمدة وأوتاد، كذلك لا تقوم الأمة بلا نظامٍ وأركانٍ ثابتة من القيم والقيادة والعدل.

التحليل الفني:

استخدام الاستعارة التمثيلية: جعل المجتمع كالبيت، وأركانه كالأعمدة والأوتاد.

الصور حسية واقعية، لكنها تُحيل إلى معنى اجتماعي سياسي عميق.

البيت الثالث: فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ * وَساكِنٌ بَلَغوا الأَمرَ الَّذي كادوا

إذا اجتمعت الأوتاد (الثوابت)، والأعمدة (الدعائم)، وسكن البيت أهله (الشعب أو القادة الصالحون)، تحقق الهدف المنشود وتم العمران. أي إذا تعاونت أركان المجتمع — من قيادة وشعب ونظام — تحقق الاستقرار والرقيّ.

التحليل الفني:

الصورة البنيوية مستمرة: البيت = المجتمع.

الترابط بين الأبيات الثلاثة الأولى يكوّن صورة ممتدة ترمز إلى وحدة البناء الإنساني والاجتماعي.

البيت الرابع: لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم * وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

لا تستقيم أحوال الناس إذا عاشوا بلا قادة حكماء (سراة)، ولا يكون القادة قادة بحق إذا تصدر الجهّال مناصب الحكم والسيادة. فالبيت به معنى سياسي واجتماعي يتمثل في: ضرورة القيادة الراشدة. وذمّ الفوضى، والتنبيه إلى خطر الجهلاء إذا تولوا السلطة.

التحليل الفني:

من أبلغ أبيات الحكمة العربية.

فيه طباق ومقابلة (سراة جهال، فوضى صلاح).

الأسلوب خبري غرضه التحذير والتقرير.

البيت الخامس: تَهدي الأُمورُ بِأَهلِ الرأي ما صَلَحَت * فَإِن تَوَلَّت فَبِالأَشرارِ تَنقادُ

الأمور تُدار على الوجه الصحيح إذا تولّاها أهل الرأي والحكمة، فإذا انصرف هؤلاء عنها، سيطر الأشرار وساقوها إلى الفساد والانحدار. والحكم الصالح لا يقوم إلا على العقل والخبرة، أما حين يضعف أهل الرأي، يتسلط أهل الشرّ.

التحليل الفني:

استخدام الفعلين تهدى وتَنقاد فيه مجاز عقلي جميل: نُسبت الهداية والانقياد إلى ((الأمور)) لتصويرها كائنًا حيًّا لديه القدرة على اتخاذ القرار والتمييز.

توازن إيقاعي بين الشطرين يقوّي أثر المعنى.

البيت السادس: إِذا تَوَلّى سَراةُ الناس أَمرَهُمُ * نَما عَلى ذاك أَمرُ القَومِ فَازدادوا

إذا تولّى القيادةَ أهلُ النبل والرأي من الناس، ازدهر أمر القوم ونما شأنهم وازدادت قوتهم. وصلاح الأمة من صلاح قيادتها، فالقيادة الراشدة تُثمر نماءً واستقرارًا.

التحليل الفني:

يربط البيت ختام النص ببدايته: بعد التحذير من الجهال، يأتي الحل الإيجابي — السراة.

جرس الألفاظ فيه رنين قوة واستقرار ((نما – أمر – ازدادوا)).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة