الصهيونية المشروع الغربي بامتياز (1)

مما يلفت النظر كثيراً التأمل في كتاب الله تعالى وفي سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ليجد القارئ الكثرة الكاثرة من الآيات التي تتناول قصص اليهود، وافتراءاتهم وكذبهم وتحريفهم، وسلوكهم المشين على مدى الدهور والعصور، وكذلك الوقوف عند نداء الله تعالى لأحفادهم البعيدين، بـ«يا بني إسرائيل»! وعدم اعتراضهم على ذلك، وكأنهم أدركوا أن السلوك واحد ومتجدد ومتجذر في الشخصية اليهودية!

الشخصية اليهودية في القرآن

من هنا يمكن أن نقول: إن الشخصية اليهودية واحدة في السلوك، وإن تغير المظهر، وبدا التحضر في واقعهم وحياتهم، وليس هذا بأن نعمم القول بالتشابه، ولكن تبقى السمات العامة لهذه الشخصية ثابتة ومتجددة في الواقع المعاصر دائماً.

القرآن وهو يؤكد عداوة اليهود: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82)، يؤكد مع هذا أن اليهود يحرفون الكلم، وينقضون العهود، ويقتلون النبيين، وأنهم يعبدون العجل تجسيداً للإله، وأن الذلة مضروبة عليهم؛ (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة: 61).

وكثيرة هي الصفات التي ذكرها الكتاب أوصافاً لليهود المعتدين في كل الأزمنة والأعصر، هذا الأمر -وهو القراءة العصرية للكتاب- هي من أساسيات الوعي بالعدو، فالعدو ليس جديداً، ومكره وخداعه ونقضه للعهود والمواثيق وتحريفه للكتب، والأديان هي سمات غالبة في كل مرحلة من مراحل هذا الشعب، فهم (أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة: 18)، وهم يدعون (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (آل عمران: 75)، فهذه حقائق ماثلة لمن يريد أن يعرف عدوه، وأستغرب من أناس أو أمة تريد هزيمة عدوها وهي لا تعرف دين العدو ولا سيكولوجيته ولا سلوكه في الحياة، بل لا تعتمد في فهمه على كتاب من خلق اليهود وشرح طبائعهم وخفايا نفوسهم!

المسيري يمضي وقلة تلتفت

وكان د. عبدالوهاب المسيري قد أفنى عمره في تفهيم الأمة سلوك هذا العدو، وتصرفاته، وكيف بنى مشروعه الاستيطاني المرعب، وتوسط الأمة فشقها جغرافياً وسياسياً وتاريخياً.

إن مجرد قراءة واعية في فكر المسيري، ستفضي بك إلى أن تغير عقيدتك في اليهود، وتؤكد وثاقة القرآن التي شرحت هذا السلوك وأنها سيكولوجية متشابهة لن تتخلف أصولها، وتستغرب هذا التشابه الكبير بين الأجداد والآباء والأحفاد ومن سيأتي بعد هذه الأجيال، وستفطن لماذا حذرنا الله تعالى منهم، ولماذا أكثر من ذكرهم، ثم لماذا تناول القرآن قصصهم بالتفصيل والتكرار، بأساليب متعددة ومختلفة.

المشروع الصهيوني والمشروع الغربي

يذهب المفكر د. المسيري يرحمه الله تعالى إلى الاعتقاد بضعف المشروع الصهيوني الاستيطاني؛ لأنه مشروع غربي، زرع في أرض ليست أرضه، ولطرد شعب هو المالك الحقيقي للأرض، وصدرت مقولة هرتزل لتكون نبراساً للعالم الغربي فضلاً عن الفكر الصهيوني «فلسطين أرض بلا شعب، كما أن اليهود شعب بلا أرض»، وأنهم لا بد أن يعودوا إلى بلد الجدود!

ففي كتابه الموسوم «من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟»، يقول المسيري، وبكل جرأة وشجاعة وإدراك للواقع وللتشابكات المجتمعية للعنصر اليهودي، مبرراً ومفنداً مقولة انتصار الصهيونية الاستيطانية: «فانتصارات الدولة الصهيونية، العسكرية، ووجود ما يزيد على ستة ملايين مستوطن يهودي في فلسطين، وسط العالم العربي، هو إنجاز استعماري استيطاني إحلالي لا ريب فيه»، وذلك بداية «من تصدير الفائض البشري اليهودي، إلى أي مكان خارج أوروبا!».

فقامت الدول الغربية أو كما يسميها نفسه: الإمبريالية الغربية، «بتأسيس الدولة الصهيونية لتستوعب هذا الفائض، ولتكون قلعة أمامية تدافع عن مصالح العالم الغربي في المنطقة، ولتكون قاعدة للاستعمار الغربي بكفاءة عالية» (ص 9)، فالمشروع غربي بالدرجة الأولى، وما «إسرائيل» إلا دولة وظيفية تقوم بإضعاف وتفتيت العالم الإسلامي، ويكون التخلص من اليهود (الفائض البشري) له مرتكز وأصل!

وكذلك كان اختيار فلسطين لتكون أرضاً لليهود، ليس من باب الدين والتوراة والكتاب المقدس، بل للتخلص من هؤلاء اليهود، ولكن كيف يتم إقناع العالم بهذا السلوك كي يأخذ أبعاداً دولية مقبولة، كان القول: إن هذه العودة إلى فلسطين، إنما هي «عودة إلى أرض الميعاد»! كما ذكر المسيري في كتابه، وهذه الدولة المزروعة والمنبتة عن محيطها، إنما هي كذلك «ستكون إمبراطورية بريطانية مصغرة، أو إنجلترا الصغرى على حد تعبير هرتزل» (الصهيونية والحضارة الغربية، ص 23).

وقد استعرض المسيري في كتابه الآخر «الصهيونية والحضارة الغربية» أمثلة واستشهادات على وضع اليهود بعد الشتات في أوروبا، وكيف كان الأوروبيون يعاملونهم كحيوانات أو متاع للملوك والإقطاعيين، ولهذا كانوا يعيشون في «الجيتو»، وهو المكان المخصص لهم من قبل سلطات البلد الذي يعيشون فيه!

لم تستكمل الصورة، بل لها توابع كبيرة، فلنتابع!


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة