المنهج النبوي في التشجيع.. 6 مظاهر ملهمة للتربية والتعليم

يمثل التشجيع أحد أعمدة التربية والتعليم، إذ لا يقتصر أثره على تحفيز المتعلمين نحو الأداء الأفضل، بل يتجاوز ذلك ليبني شخصيات واثقة متوازنة.

وإذا كانت النظريات التربوية الحديثة تُعلي من قيمة التشجيع بوصفه أساسًا في العملية التعليمية، فإن المنهج النبوي سبقها بقرون في إبراز قيمته وتطبيقه العملي، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مربّيًا ومعلمًا في آنٍ واحد، اتخذ من التشجيع وسيلة تربوية لصناعة جيل متفرد حمل رسالة الإسلام للعالمين، ومن مظاهر التشجيع النبوي ما يأتي:

1- المدح والثناء:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع أصحابه بالمدح لهم والثناء على جميل ما تحلوا به، ففي صحيح البخاري، ومسلم، عَنْ ‌أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ! لَقَدْ أُوتِيتَ ‌مِزْمَارًا ‌مِنْ ‌مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، إنه صلى الله عليه وسلم يثني على جمال صوته، مما يشجعه على تجميله أكثر وأكثر.

وروى مسلم في صحيحه، عَنْ ‌أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟»، قَالَ: قُلْتُ: (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «وَاللهِ ‌لِيَهْنِكَ ‌الْعِلْمُ، أَبَا الْمُنْذِرِ»؛ أي لتهنأ بالعلم.

2- التشجيع بالدعاء:

من أهم مظاهر التشجيع النبوي للصحابة ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم حين يرى ما يسره من أصحابه أن يدعو لهم، ففي مسند أحمد، عن سَعِيد بْن جُبَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَقَالَ: «‌اللهُمَّ ‌فَقِّهْهُ ‌فِي ‌الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ».

وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَالَ: «‌اللَّهُمَّ ‌أَكْثِرْ ‌مَالَهُ ‌وَوَلَدَهُ»، قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ».

3- إظهار نقاط التميز لدى أصحابه:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يثمن نقاط التميز لدى كل فرد من الصحابة، بحيث يكشف لمن حوله جانب تميزه، فيبقى محافظاً عليه، ومتمسكاً به، وهذا أثر من آثار التشجيع على المتميزين.

ففي مسند أحمد، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا ‌بِالْحَلَالِ ‌وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا لِكِتَابِ اللهِ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ».

وفيه أيضاً عن أَبي عُبَيْدةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَالِدٌ ‌سَيْفٌ ‌مِنْ ‌سُيُوفِ ‌اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنِعْمَ فَتَى الْعَشِيرَةِ».

4- إخباره بحب الله للعبد تشجيعاً له:

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخ الفضائل في النفوس من خلال التأكيد على حب الله لمن فعلها، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَشَجِّ (أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ): «إِنَّ فِيكَ ‌خَصْلَتَيْنِ ‌يُحِبُّهُمَا ‌اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ».

5- التشجيع بالتبشير بالأجر:

ربط النبي صلى الله عليه وسلم السلوك الصالح بالجزاء والثواب ليغرس في أصحابه الدافعية الإيمانية، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها ما يعلن فيها النبي صلى الله عليه وسلم البشارة والفرحة بتوبة أحد أصحابه، وهو سيدنا كعب بن مالك؛ ففي صحيح البخاري، ومسلم قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: «‌أَبْشِرْ ‌بِخَيْرِ ‌يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ».

وجاء في الحديث عن الجزاء الأخروي للأعمال الصالحة، ومن ذلك ما رواه البخاري، عن عثمان رضي الله عنه أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، ‌غُفِرَ ‌لَهُ ‌مَا ‌تَقَدَّمَ ‌مِنْ ذَنْبِهِ».

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، ‌غُفِرَ ‌لَهُ ‌مَا ‌تَقَدَّمَ ‌مِنْ ذَنْبِهِ»، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، ‌غُفِرَ ‌لَهُ ‌مَا ‌تَقَدَّمَ ‌مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ‌غُفِرَ ‌له ‌ما ‌تقدم ‌من ذنبه»، وفي صحيح مسلم عَنْ ‌أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ ‌فَلَهُ ‌مِثْلُ ‌أَجْرِ ‌فَاعِلِهِ».

6- التشجيع بالمشاركة:

كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يلهب مشاعر أصحابه ويرفع معنوياتهم بالتشجيع لهم من خلال مشاركتهم فيما يقومون به من أعمال، فيبذلون أقصى ما في وسعهم، ويدل على هذا ما كان منه صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد، وحفر الخندق، وكذلك ما رواه الصحابة بأنفسهم في ميادين القتال.

أما بناء المسجد، فقد روى البخاري في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم طفق ينقل معهم اللبن (الحجارة) في بنيانه، وهو يقول: «هذا الحمال لا حمال خيبر، هذا أبر ربنا وأطهر»، ويقول: «اللهم إن الأجر أجر الآخرة، ‌فارحم ‌الأنصار ‌والمهاجرة».

وفي صحيح البخاري، ومسلم، أنه صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق كان ‌يحفر ‌معهم وينقل التراب حتى اغبرَّ بطنه ووارى التراب جلده، وقد شدَّ على بطنه حجراَّ لفرط الجوع، وكان الصحابة يلجؤون إليه إذا عرضت لهم الصخرة الكبيرة فيأخذ المعول ويفتت الصخرة، أما في الحرب فقد روى أحمد في مسنده عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبأْسُ، ولَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، ‌اتَّقَيْنَا ‌برَسُولِ ‌اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبُ إِلَى الْقَوْمِ مِنْهُ».


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة