توني بلير من حرب العراق إلى مشروع غزة العقاري.. تاريخ من الجرائم؟

بعد مقتل وجرح وتشريد أكثر من مليون عراقي
جراء الغزو الأنجلو-أمريكي للعراق الذي نفذه آلاف الجنود في مارس 2003م بذريعة كذبة
امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، عاد بلير ليطل على الشرق الأوسط في ثوب المبعوث الدولي
للسلام، محاولًا أن يعيد تسويق نفسه وكأن جرائمه ضد الإنسانية في العراق لم يسجلها
التاريخ.
في 6 يوليو 2016م، أعرب رئيس الوزراء البريطاني
الأسبق توني بلير عن أسفه وحزنه، وقدم اعتذاره، بعد نشر تقرير لجنة «تشيلكوت» حول غزو
العراق عام 2003م، الذي انتقد مشاركة بريطانيا في الغزو، وقال بلير خلال مؤتمر صحفي:
«كان ذلك القرار هو الأصعب الذي اتخذته.. أنا أتحمل المسؤولية كاملة، وأعبّر عن ألمي
وأسفي، وأقدم اعتذاراتي».
قدم بلير اعتذاره عن قتل وتشريد وتيتيم وتهجير
الملايين من الأبرياء في العراق وتكبيده خسائر مادية ضخمة تقدر بتريليونات الدولارات،
وانزلاق العراق إلى دوامة العنف الطائفي الذي بلغ ذروته خلال عامي 2006 و2007م، نعم،
قدم مجرد اعتذار بعد هدر دماء ملايين الأبرياء من البشر في العراق، ولو كانوا قططًا
وكلابًا لقامت الدنيا ولم تقعد.
ربما يخطئ أي سياسي في تقدير المواقف، لكن
ما قام به توني بلير ليس مجرد خطأ سياسي، بل جرائم ضد الإنسانية، وانتهاك للقانون الدولي
لأنه قاد بلاده إلى غزو العراق عام 2003م استنادًا إلى معلومات استخباراتية مضللة ومفبركة،
واستمر في الدفاع عن قراره حتى بعد أن انكشفت أكاذيبه وأكاذيب الإدارة الأمريكية.
والآن بعد محاولات إقحام بلير في ملف غزة،
يتبادر إلى الأذهان سؤال يفرض نفسه: أي شرعية بقيت لرجل يداه ملطختان بدماء العراقيين؟
عالم الغاب
نعم، يطل علينا بلير مرة أخرى، لأننا نعيش
في عالم الغاب الذي لا ينصر المظلوم ولا يحاسب المخطئ ويترك دماء الأبرياء تُهدر سدى،
يطل علينا لأننا تركنا مصائرنا بأيدي القتلة والمجرمين، واخترنا الخضوع بدل الحسم.
في عام 2022م، نشرت صحيفة «ديلي ميل» مقتطفات
من كتاب أصدره جيف هون، وزير الدفاع البريطاني الأسبق، قال فيه: إن رئاسة الوزراء أمرته
بحرق مذكرة سرية تقول: إن غزو العراق عام 2003م قد يكون غير قانوني، وعندما ظهر هذا
الادعاء في عام 2015م، قال بلير: إنه «هراء»، لكن هون، الذي كان مسؤولاً عن الدفاع
عندما بدأت الحرب، أصر على أن المزاعم كانت صحيحة، وقدم رواية مثيرة عن «تستر من مكتب
رقم 10»، بحسب الصحيفة.
وأوضح هون أن سكرتيره الخاص أُخبِر بعبارات
لا لبس فيها من قبل جوناثان باول، رئيس أركان بلير، بضرورة حرق الوثيقة بعد قراءتها،
مشيرًا إلى أن كبار المسؤولين في وزارة الدفاع انزعجوا بشدة من الأمر، وتحدوا رئاسة
الوزراء بقفل المذكرة في خزنة بدلاً من ذلك.
وأشار هون إلى أنه تم تضليل الوزراء والبرلمان
والجمهور من قبل بلير لدعم حرب اعتبرها الكثيرون غير قانونية وجريمة ضد الإنسانية،
لقد استخدم بلير أدوات الدولة لتزييف المشهد من أجل مكاسب مادية.
وبعد خروجه من رئاسة الوزراء، أطل علينا بلير
في ثوب المبعوث الرباعي للشرق الأوسط بين عامي 2007 و2015م، لكن دوره في عملية السلام
لم يُنتج أي نتائج تذكر، وفشل في الضغط على «إسرائيل»، ربما لتواطئه أو عدم جديته بالنسبة
للفلسطينيين، أو يمكن القول: إن بلير كان مجرد ممثل للمصالح الغربية و«الإسرائيلية».
بعد فشله في تسويق وهم أسلحة الدمار الشامل.. يحاول تسويق مشروع غزة العقاري
بعد أن كان مديرًا للترويج لمشروع جورج دبليو
بوش الخاص بغزو العراق عام 2003م وتقاسم الكعكة العراقية، ونشر أكاذيب الإدارة الأمريكية
والمشاركة في حرب لا أخلاقية، يحاول بلير مجددًا اليوم، بعد حرب الإبادة على غزة، وبعد
مقتل أكثر من 60 ألفاً من الأبرياء من النساء والأطفال والرضع، طرح رؤى وخطط بائسة
باءت بالفشل، ويحاول إعادة إنتاج سيناريوهات قديمة بتهجير أهل غزة وتوطينهم في دول
عربية.
رجل تلطخت يداه بدماء الأبرياء يعيد رسم صورته
الخطورة هنا أن بلير، الذي تلطخت يداه بدماء
الأبرياء ودافع زورًا وبهتانًا عن غزو العراق، هو نفسه الذي يحاول الآن أن يقحم نفسه
في ملف غزة بذريعة إعادة الإعمار أو التسوية، بينما الهدف الحقيقي هو حماية «إسرائيل»
ومنحها شرعية وحماية دولية، هو لا يملك أي شرعية ليعيد هندسة مستقبل غزة أو فلسطين،
وسيبوء مسعاه الجديد بالفشل.
لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين
ليس من العقل الوثوق برجل تاريخه مظلم، ويداه
ملطختان بدماء الأبرياء؛ رجل استند إلى أكاذيب استخباراتية ليُبرّر حربًا لم تُفوض
من الأمم المتحدة، وشاركت قواته في قتل الأبرياء في العراق وأماكن أخرى، واهتزت صورته
بفضائح أموال مقابل ألقاب.
كل ذلك يجعل من هذا الرجل مجرد نموذج لسياسي
مجرم يرى جرائمه مجرد سوء تقدير، بينما الحقيقة أنها جرائم ضد الإنسانية تورطت فيها
أجهزة دولته، وأزهقت قراراته أرواح الأبرياء، ولن تمحو اعتذاراته تاريخه الملطخ بالدماء.