ثورة الاتصال.. هل توفر فرصة لعودة الحضارة الإسلامية؟!

د. سليمان صالح

06 أبريل 2025

178

تحتاج الأمة الإسلامية إلى علماء يطلقون العنان لخيالهم لاكتشاف ما يقدمه الواقع من فرص لبناء القوة واستشراف المستقبل؛ حيث تقدم وسائل الإعلام قراءة للواقع تثير اليأس والإحباط والاكتئاب والقنوط؛ وتلك قراءة سطحية؛ حيث يستطيع كل شخص أن يصف السواد والظلم والظلام الذي يعيش فيه المسلمون، وكل العالم يشاهد الآن المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة؛ فلا يجرؤ أحد على الكلام خوفاً وخوراً وخنوعاً وخضوعاً؛ فهل هناك مجال لقراءة مختلفة لذلك الواقع الكئيب؟!

لقد تعرض المسلمون للكثير من المذابح في فترات مظلمة من التاريخ دون أن يعرف أحد؛ فلم تكن هناك وسائل إعلام تنقل الحقائق وتصف المآسي، لكننا اليوم نعرف ونشاهد؛ ويتزايد غضب الأحرار وسخطهم على هذا الظلم، ومن المؤكد أن ذلك الغضب سينفجر قريباً، ولن تستطيع قوة مهما بلغ طغيانها وجبروتها وقسوتها أن توقف الانفجار الذي سيتطاير منه الشرر ليحرق الظالمين، ويشكل واقعاً جديداً.

الأمة لم يعد أمامها سوى الدفاع عن وجودها وتقدم التضحيات دفاعاً عن حقها في الحياة والاستقلال

هل هناك أدلة على صحة تلك النتيجة؟ من السهل أن ترى ضعف الأمة وعدم قدرتها على التعبير عن غضبها، لكن العلماء يمكن أن يكتشفوا ببصيرتهم نيران الغضب، وأن الأمة لم يعد أمامها سوى أن تدافع عن وجودها، وتقدم التضحيات دفاعاً عن حقها في الحياة والحرية والاستقلال، وأن دماء الشهداء في غزة تضيء للأحرار الطريق لبناء المستقبل، والأمة تدرك الآن أنها ستدفع ثمن الحرية غالياً، وستقدم الكثير من التضحيات، وأن أجمل نعم الله علينا أنه اختارنا لندافع عن الإسلام والقدس والحرية والاستقلال، فذلك هو الشرف والمجد في الدنيا، والطريق لإرضاء الله والفوز بجنته.

أرجوك فكّر معي وأطلق لخيالك العنان لتكتشف أن عدم فهم أمريكا وعمِيلتها دولة الاحتلال «الإسرائيلي» والغرب كله لما أقوله، وللنتيجة التي توصلت لها يشكل فرصة تاريخية للأمة الإسلامية، وتأمل معي هذه الآية: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر: 72)؛ حيث يقسم الله بحياة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تشريفاً وتكريماً له أن القوم أصابهم غرور القوة وشهوة الانتقام بعمى البصيرة؛ فأصبحوا يتخبطون في الضلال؛ فلا يرون الحق، ولا يشاهدون نذر الخطر؛ إنها لحظة انهيار حضاري.

وهذه اللحظة تكررت في التاريخ للكثير من الأمم مثل الإمبراطورية الرومانية التي انهارت وهي في قمة قوتها، وعندما كانت تسيطر على معظم الأرض، إنها حالة السكرة التي تعني فقدان العقل والبصر والبصيرة والضمير والقيم والأخلاق؛ فالنتنياهو أسكره غرور القوة بعد فوز ترمب برئاسة أمريكا؛ فمضى يبطش بأطفال غزة ونسائها، وهذا يشكل عاراً لأمريكا وأوروبا والعالم كله.

دعوة لدراسة الغرب

في هذه اللحظة التاريخية تحتاج الأمة الإسلامية لدراسة الغرب، كما قامت أوروبا بدراسة واقع الأمة الإسلامية في حركة الاستشراق لاكتشاف نقاط الضعف واستغلالها؛ حيث كان الاستشراق من أهم وسائل السيطرة الاستعمارية.

إننا يمكن أن نكتشف اليوم الكثير من الحقائق التي تجعل الأمة الإسلامية تدرك دورها التاريخي، ووظيفتها الحضارية في إنقاذ البشرية وتوفير المعرفة لها وإخراجها من حالة السكرة بالقوة المادية والشهوات.

الغرب يعيش سكرة حضارية فقد تمكن في القرنين الماضيين من تحقيق القوة لكنه الآن في طريقه للسقوط

إن الحقيقة التي يمكن أن يراها العلماء ببصيرتهم هي أن غرور أمريكا بقوتها يخفي ضعفاً وعنصرية وأزمات، وأنها تمضي في طريق الانهيار، وأن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» تدفعها لتمضي في ذلك الطريق بأسرع مما نتوقع؛ فالقوة عندما تمتزج بالشهوة والطغيان والظلم تؤدي إلى السقوط الحضاري.

إن الغرب يعيش في حالة سكرة حضارية؛ فقد تمكن خلال القرنين الماضيين من تحقيق القوة والازدهار المادي، لكنه الآن في طريقه للتفكك والسقوط، ونموذج الاتحاد السوفييتي ما يزال قريباً من الأذهان.

إن التحديات تدفعنا لابتكار أفكار جديدة وجريئة، من أهمها أننا نستطيع أن ننقذ البشرية من الكارثة الناتجة عن الظلم والطغيان والقسوة، وأن نعيد للعالم إنسانيته عندما نقدم له البديل الحضاري الذي يحقق الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، وحماية حقوق الإنسان في الحياة، وبالتأكيد فإن الإسلام وحده هو البديل الحضاري.

وثورة الاتصال توفر لنا الكثير من الفرص لنقدم المعرفة الإسلامية لكل إنسان، ونفتح له بها المجال ليستيقظ ضميره ويسترد وعيه وبصيرته، ونخرجه من حالة السكرة التي أرادت الرأسمالية أن تغرقه فيها، ونعيد له القدرة على اكتشاف معنى الحياة، وأن نحرره من العبودية لغير الله.

عندما كنت أدرس في الغرب اكتشفت أن الأغلبية من الناس تعيش في ظلام الجهل، بالرغم من تفوقهم في تخصصاتهم العلمية؛ فالغربي لا يعرف خارج إطار التخصص شيئاً، وهو يستخدمه ليحصل على دخل يكفي احتياجاته المادية، ولا يعرف لماذا يعيش؟! وما هدف حياته؟!

كيف نعيد للإنسان معنى الحياة؟

الآن جاءت فرصتنا التاريخية لنعيد الحضارة الإسلامية إلى عالم يسرع الخطى نحو الانهيار، وننقذ بها الإنسانية من سكرة الشهوات والسعار المادي الاستهلاكي، وغرور القوة ومن العبودية الحديثة.

ونحن المسلمين نحب كل إنسان على وجه الأرض؛ لذلك نريد أن نقدم له أجمل وأعظم وأفضل ما نملك؛ وهو الإسلام رسالة الله الخاتمة للبشرية، ونعيد له الكرامة والإنسانية ومعنى الحياة؛ والإسلام يشكل ثروة فكرية وحضارية تضيء العقول والأرواح، وتطلق قدرات الإنسان للتفكير وصياغة أهداف حياته.

الأمة تستطيع أن تستثمر ثروتها البشرية عندما ينطلق الملايين لنقل المعرفة الإسلامية عبر وسائل الاتصال

والأمة الإسلامية تستطيع الآن أن تستثمر ثروتها البشرية عندما ينطلق الملايين من خريجي الجامعات لنقل المعرفة الإسلامية عبر وسائل الاتصال الرقمية، فنكسب عقول الناس وقلوبهم برسائل يتم صياغتها بأساليب تشبع احتياجات الناس للمعرفة.

وهذه الانتفاضة الإلكترونية الرقمية تسهم في إعادة الحضارة الإسلامية إلى العالم، وتوفر للناس المعرفة عن الإسلام، وتبني القوة الناعمة للأمة الإسلامية.

إن كل مسلم يمكن أن يكون فاعلاً في عصر ثورة الاتصال عندما ينشر المعرفة الإسلامية ويقوم بدوره الحضاري، ولكن قبل أن تبدأ؛ يجب أن تملأ قلبك فخراً بالانتماء إلى خير أمة أُخرجت للناس، وتسترد وعيك بهويتك ووظيفتك الحضارية، وتدرك أنك عبدٌ لله وحده، وتثق أن النصر بيده وحده.

بذلك يمكن أن تدخل بقوة إلى العالم الافتراضي لتقود عملية تغيير الواقع بالمعرفة والمبادئ والأخلاق الإسلامية، وهذا الوعي سيزيد قدراتك على صياغة رسائل تجذب الناس؛ فهم يعجبون بمن يدافع عن مبادئه بقوة، ويضحي من أجلها، ويتمكن من شرح رؤيته.

هل يمكن أن نعد جيلاً يدير الحضور الإسلامي على شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ويوفر المعرفة الإسلامية لكل الناس كأساس لإعادة الحضارة الإسلامية إلى العالم؟

أعتقد أننا نستطيع، وأن ثورة الاتصال توفر لنا الكثير من الفرص التاريخية.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة