حماية أطفال الحروب.. تحديات وحلول

حولت ساحات الحروب الأطفال في مناطق النزاع
إلى ضحايا مستباحين أمام آلة العنف التي تقضي على أحلامهم وتسلب منهم طفولتهم، وتشير
الأرقام الصادمة إلى أن ملايين الأطفال حول العالم يدفعون ثمنًا فادحا لنزاعات لم يختاروها؛
فمنهم من يقتل أو يشوه، ومنهم من يجند قسرًا أو يستغل جنسيًا، وآخرون يحرمون من أبسط
حقوقهم في التعليم والصحة، ولا تقتصر المأساة على الأذى الجسدي فحسب، بل تمتد إلى جروح
نفسية عميقة تهدد مستقبلهم ومستقبل مجتمعاتهم.
واقع مأساوي
ونختار في هذا المجال التركيز على واقع أطفال
العرب المؤلم، حيث شهدت العشرية الأخيرة اندلاع النزاعات المسلحة في ليبيا واليمن ولبنان
وفلسطين وسورية والسودان، وفي عام 2023م، سجلت غزة كأكثر المناطق خطورة على الأطفال
عالميًا، حيث تمثل الانتهاكات فيها نحو 25% من إجمالي الانتهاكات العالمية بسبب العدوان
الغاشم التي شنته قوات الاحتلال على أبناء القطاع عقب انطلاق عملية «طوفان الأقصى»،
لتضاف إلى نزاعات اليمن وسورية والسودان، التي تعد أكثر مناطق النزاع تدميرًا للطفولة
في العالم.
وتكشف الأرقام عن أبعاد المأساة؛ ففي اليمن،
الذي يشهد حربًا مستمرة منذ عقد، يعاني 2.3 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، بينما
يحرم 4.5 ملايين طفل من التعليم بسبب تدمير المدارس أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية، أما
في سورية، فقد قتل أو شوه عشرات الآلاف من الأطفال منذ عام 2011م، مع تسجيل حالات تعذيب
وتجنيد قسري في صفوف الأطفال، وفي السودان، أدى القتال بين الجيش السوداني، وقوات التمرد
المتمثلة في «الدعم السريع»، إلى نزوح 3 ملايين طفل، وتعطيل خدمات الرعاية الصحية لنحو
10 ملايين طفل.
ولا تقتصر الانتهاكات على العنف المباشر،
بل تمتد إلى حصار المساعدات الإنسانية، كما في حالة غزة، حيث يمنع الاحتلال الغاصب
وصول الغذاء والدواء إلى ما يزيد على 625 ألف طفل محاصرين تحت القصف اليومي، كما تظهر
تقارير الأمم المتحدة أن واحدًا من كل 3 أطفال في مناطق النزاعات العربية يعيش دون
مياه نظيفة؛ ما يفاقم انتشار الأوبئة والأمراض.
وعلى المدى الطويل، تخلف هذه الانتهاكات آثاراً
جسدية ونفسية واجتماعية خطيرة؛ حيث يصاب 20% من الأطفال المتأثرين بالألغام الأرضية
بإعاقات دائمة، ويعاني طفل من كل 3 أطفال في مناطق النزاع من سوء التغذية الحاد، كما
تواجه نسبة تصل إلى 70% من الأطفال الناجين اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة
والاكتئاب، ويعاني الأطفال المجندون من وصمة اجتماعية تؤدي إلى رفض مجتمعي خطير، علاوة
على ذلك، يحرم 13 مليون طفل في الشرق الأوسط من التعليم بسبب تدمير المدارس أو تحولها
إلى أغراض عسكرية.
وتعكس الأرقام السابقة إلى جانب كونها نتيجة طبيعية للصراعات عجزًا دوليًا عن تنفيذ الاتفاقات الدولية والإنسانية لحماية الأطفال والمدنيين وربما تواطؤ دولياً لتدمير مستقبل الوطن العربي كله من خلال القضاء على أطفال اليوم وشباب الغد ورجال المستقبل.
حبر على ورق
أثبت العدوان على غزة واستهداف الاحتلال للأطفال
والنساء والشيوخ أن المواثيق الدولية، التي يفترض بها أن تشكل الإطار القانوني الملزم
للدول بحماية الأطفال، ما هي إلا حبر على ورق؛ فقد كشف هذا العدوان فشل التطبيق العملي
لهذه الاتفاقيات بسبب الغطرسة «الإسرائيلية» والمساندة الأمريكية الغربية لهذا العدوان
الذي تجاوز كل الحدود البشرية وانتقل إلى مستوى وحشية الغابة.
كما لم تستطع تلك الاتفاقيات حماية أبناء
العرب في اليمن والسودان وسورية من النزاعات المدمرة التي اجتاحت هذه البلدان، ومن
هذه الاتفاقيات التي تشكل الإطار القانوني الأساسي لحماية الأطفال؛ اتفاقية حقوق الطفل
(1989) وبروتوكولها الاختياري (2000)، إذ تحظر تجنيدهم دون سن 18 عامًا وتفرض عقوبات
على المخالفين، وأيضًا إعلان المدارس الآمنة (2015م) -الذي وقعته 120 دولة- حيث يهدف
إلى منع استخدام المدارس لأغراض عسكرية، ورغماً من ذلك، استمرت الهجمات على المدارس
في نزاعات العالم العربي، وخاصة في غزة، وفي السودان حيث حولت قوات «الدعم السريع»
المتمردة المدارس إلى مقرات عسكرية، أيضًا ينص القانون الدولي الإنساني عبر اتفاقيات
جنيف على حماية المدنيين وتوفير التعليم والرعاية الصحية، إلا أن الانتهاكات المنهجية
لهذه القواعد لا تزال مسجلة في كل نزاعات الوطن العربي.
كما تشهد آليات الرقابة الدولية فشلًا في
تنفيذ نصوص الاتفاقيات الخاصة بحماية الأطفال؛ حيث تراقب لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم
المتحدة مدى التزام الدول وتستقبل الشكاوى، إلا أنها تفتقر إلى آلية إلزامية لفرض العقوبات
على المخالفين؛ ما يضعف من فعاليتها.
كما تصدر الممثلة الخاصة للأمين العام للأطفال
في النزاعات تقارير سنوية تدرج فيها الجماعات المسلحة المنتهكة لحقوق الأطفال ضمن «قائمة
العار»، مثل جماعة الحوثي في اليمن وقوات النظام السوري السابق، إلا أن تأثير هذه القوائم
يظل محدودًا بسبب الدعم السياسي والعسكري الذي تتلقاه بعض الأطراف المتنازعة.
وفي سياق موازٍ، تسعى المحكمة الجنائية الدولية
لملاحقة قادة دول وجماعات متهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الأطفال كما في حالة الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء الاحتلال «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو عام
2023م، لكن عدم اعتراف بعض الدول باختصاصها يعيق مساءلتهم بفعالية.
وفي ظل هذه الاتفاقيات والقوانين غير الناجزة،
وفشل آليات الرقابة الدولية، تواجه حماية حقوق الأطفال في النزاعات عقبات كبيرة على
أرض الواقع؛ إذ يؤدي الاختصاص القضائي المحدود للمحكمة الجنائية الدولية، التي لا تُخضع
دولاً مثل «إسرائيل» وروسيا والولايات المتحدة للمساءلة، إلى استمرار الانتهاكات؛ كما
يظهر الانحياز السياسي تدخل دول كبرى لحماية حلفائها –كما في الدعم الأمريكي لـ«إسرائيل»–
ويضاف إلى ذلك ضعف الإرادة الدولية في مواجهة انتهاكات حقوق الأطفال بانتقائية دون
فرض ضغوط حقيقية؛ ما يثير تساؤلاً حول قدرة القانون الدولي على ضمان حماية شاملة وفعالة
للأطفال في مناطق النزاعات.
حلول مقترحة
أظهرت تجارب النزاعات المسلحة أن الأطر القانونية
الدولية لا تترجم إلى حماية ميدانية شاملة للأطفال وسط الانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون
لها.
وفي هذا السياق، قدمت العديد من مراكز الفكر
والدراسات مجموعة من الحلول التي تعنى بتعزيز حماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة ومستقرة
لهم خلال النزاعات، منها:
1- تفعيل اتفاقيات حقوق الطفل (1989) وبروتوكولها
الاختياري (2000)، مع ضمان تقديم الدول تقارير دورية وتطبيق القانون الدولي الإنساني
لتجريم مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة وتحديد مسؤوليات الأطراف المتنازعة.
2- تصميم برامج شاملة لنزع السلاح والتسريح
وإعادة الإدماج (DDR)
للأطفال المجندين مع تقديم الدعم النفسي والتعليمي، وضمان استمرار وصول الأطفال إلى
التعليم خلال النزاعات عبر مدارس مؤقتة أو برامج تعليم عن بُعد.
3- تنسيق الجهود بين الحكومات و«يونيسف» والمنظمات
الدولية لتأمين حماية شاملة للأطفال، مع مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف الهجمات على
المدنيين وتفعيل آليات مساءلة دولية.
4- رفع مستوى الوعي المجتمعي بأخطار تجنيد
الأطفال وتفعيل العدالة التصالحية، مع دعم المبادرات التي تشرك القادة المحليين والزعماء
الدينيين لتعزيز حماية الأطفال.
5- ضرورة قيام جامعة الدول العربية بتشكيل
آلية تنفيذية لحماية أطفال العرب من انتهاكات الحروب والنزاعات في المنطقة وعدم الاكتفاء
بدور المنظمات الدولية في هذا المجال.