رد «حماس» على خطة ترمب.. قراءة تحليلية

في ضوء إعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس)
موقفها من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوقف الحرب في قطاع غزة، يمكن قراءة البيان
الصادر عنها بوصفه تعبيرًا عن موقف وطني مسؤول، جاء ثمرة تشاور داخلي واسع على مستوى
القيادة، وبالتنسيق مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ومع الوسطاء والأصدقاء الدوليين.
هذه الصياغة تعكس حرص الحركة على أن يظهر
موقفها في صورة إجماع وطني جامع، لا في صيغة قرار منفرد.
أولًا: التعاطي مع الخطة بمنهجية سياسية مسؤولة:
لم تتعامل الحركة مع خطة ترمب ككتلة واحدة
على قاعدة الرفض أو القبول، بل نظرت إليها باعتبارها ورقة تفاوضية تحمل بعض البنود
التي تحتاج لنقاش وتوضيح.
هذه المقاربة تمثل سلوكًا سياسيًا عقلانيًا
يوازن بين حماية حقوق الشعب الفلسطيني واغتنام أي فرصة لوقف الإبادة الجارية، وهو ما
أظهره البيان من خلال الترحيب بالقضايا الإيجابية التي تخدم الشعب مباشرة (وقف الحرب،
وانسحاب جيش الاحتلال، وإدخال المساعدات، ورفض التهجير)، وفي المقابل، إحالة القضايا
الكبرى المرتبطة بالحقوق والثوابت إلى الموقف الوطني الجامع.
ثانيًا: الانسجام مع المزاج الوطني العام:
رد الحركة لم يأتِ منفصلًا عن المزاج الوطني،
بل انسجم مع مواقف مفكرين وكتّاب ومحللين ونشطاء فلسطينيين، دعوا إلى التعامل الذكي
مع الخطة وعدم الانجرار إلى رفض مطلق أو قبول مطلق.
واختيار لغة دبلوماسية مرنة، بعيدة عن الانفعال،
يعكس وعيًا بضرورة إدارة المعركة السياسية والإعلامية بعقلانية تحافظ على صمود الشعب
وتكسب الرأي العام.
ثالثًا: البنود المرفوضة والخطوط الحمراء:
في المقابل، أكد البيان رفض أي بنود تمس جوهر
الحقوق الفلسطينية:
1- نزع سلاح المقاومة: سلاح مشروع مكفول دوليًا،
لا يمكن نزعه إلا بزوال الاحتلال.
2- وجود قوة دولية أو وصاية أجنبية على غزة:
مرفوضة، لأن إدارة القطاع يجب أن تكون فلسطينية خالصة.
3- الحكم الأجنبي بأي صيغة، أو فرض وصاية
مباشرة أو غير مباشرة، يتعارض مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
4- وصم المقاومة بالإرهاب: مرفوض جملة وتفصيلًا،
فالمقاومة حق مشروع للشعوب المحتلة وفق القانون الدولي.
رابعًا: تمايز المواقف الدولية والإقليمية:
البيان استند إلى مواقف عدد من الدول المشاركة
في لقاء واشنطن، بما يعزز الموقف الفلسطيني، فوزير الخارجية الباكستاني أشار إلى أن
ما طرحه ترمب لا يتوافق مع مسودة الاجتماع، كما عبّر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري،
ووزير الخارجية المصري عن تحفظات على بعض البنود، هذه الاستشهادات تؤكد أن «حماس» أرادت
وضع موقفها في سياق إجماع إقليمي ودولي نسبي، يفضح تناقضات الخطة الأمريكية ويُظهر
أنها غير محل قبول حتى من بعض الحلفاء المفترضين.
خامسًا: جوهر البيان.. وقف العدوان وحماية الحقوق:
الخيط الناظم لكل ما ورد في البيان هو أن
وقف العدوان وإنهاء المأساة الإنسانية هو الهدف المركزي، على قاعدة الحفاظ على الحقوق
الوطنية المشروعة؛ بمعنى أن الحركة تعاملت مع الخطة من زاوية: ما الذي يخدم حياة الفلسطينيين
وصمودهم، وما الذي يمس حقوقهم وثوابتهم.
سادسًا: تأكيد الثوابت الوطنية:
البيان شدّد على أن:
1- قطاع غزة جزء أصيل من أرض فلسطين ودولة
فلسطين المنشودة.
2- إدارته يجب أن تكون فلسطينية بالكامل.
3- صمود الشعب وتضحياته لا يجوز أن تُستثمر
لتصفية قضيته، بل لتتويج نضاله بالحرية والاستقلال.
بيان «حماس» الذكي جداً لم يكن مجرد رد عابر
على خطة ترمب، بل جاء محمولًا على منطق وطني جامع.
1- ترحيب بما يوقف الحرب وينقذ الأرواح.
2- رفض صارم لما يمس الثوابت.
3- خطاب دبلوماسي محسوب، يضع الحركة في صورة
الفاعل السياسي المسؤول أمام شعبه والعالم.
بهذا الرد، بعثت الحركة رسالة واضحة: لسنا
معنيين بالمساومة على الحقوق، ولسنا معنيين بترك شعبنا يباد بلا أفق سياسي، إنما نحن
طرف مقاوم مسؤول، يوازن بين حماية الثوابت وتحقيق المكاسب الإنسانية العاجلة لشعبه.