سنن يوم الجمعة.. 8 أعمال يسيرة بأجور عظيمة
إذا أشرقت شمس
يوم الجمعة، أشرقت معها أرواح المؤمنين بضياء خاص، وشعور يختلف عن سائر الأيام،
فالسماء تفتح أبوابها للرحمة، والأرض تتهيأ لاستقبال الطائعين.
إنه اليوم الذي
جعله الله عيدًا أسبوعيًّا للأمة الإسلامية، تتجدد فيه القلوب بالطاعة، وتتعطر
الأرواح بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أراد القرب من الله، فليتهيأ للجمعة
كما فعل نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار.
1- الاغتسال للجمعة:
روى البخاري،
ومسلم، في صحيحيهما، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ
فَلْيَغْتَسِلْ»، وفي الصحيحين أيضاً عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»؛ أي بالغ.
وقد تنوعت آراء
الفقهاء في حكم الاغتسال يوم الجمعة، حيث رأى البعض وجوبه، بناء على ظاهر الحديث
السابق، بينما رأى جمهور الفقهاء أن الاغتسال للجمعة سُنة، واستدلوا على ذلك بما
رواه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا
قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي
مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».
ففي الحديث السابق
ذكر للوضوء وما معه من أعمال مترتب عليها الثواب المقتضي للصحة، وفي هذا دليل على
أن الوضوء كاف في ذلك عن الغسل، وأن الغسل غير واجب.
ويدل على ذلك
أيضاً ما رواه أبو داود بسند حسنه الألباني عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ»؛ ففيه دليل على أن الوضوء
كاف لتحصيل ثواب الجمعة، وأن الغسل لها فضيلة لا فريضة.
2- التطيب والتسوك:
روى مسلم في
صحيحه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَسِوَاكٌ،
وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ»؛ حيث يسن السواك ومس الطيب، لما
فيه من إشاعة الرائحة الطيبة، والحماية من الروائح الكريهة.
ولهذا حذّر
الإسلام من أذية الناس في هذا التجمع الكريم وغيره من خلال منع كل ما من شأنه بعث
الروائح الكريهة، ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ
-وَقَالَ مَرَّةً: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ»- فَلَا يَقْرَبَنَّ
مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو
آدَمَ».
3- لبس أحسن الثياب:
روى أبو داود،
وأحمد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ وَلَبِسَ أَحْسَنَ
ثِيَابِهِ وَتَطَيَّبَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَلَمْ
يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَصَلَّى، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَنْصَتَ، كَانَ
لَهُ كَفَّارَةً مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى».
وروى
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
لَهُ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ»، وروى أبو داود وابن
ماجه بسند صححه الألباني عَنْ عَبْدِ للَّهِ بْنِ سَلَامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي يَوْمِ
الْجُمُعَةِ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ،
سِوَى ثَوْبِ مِهْنَتِهِ».
4- التبكير إلى صلاة الجمعة:
يسن التبكير إلى
صلاة الجمعة، فقد روى البخاري، ومسلم، في صحيحيهما، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً،
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ
رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ،
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً،
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً،
فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».
ففي الحديث دعوة
إلى التبكير إلى صلاة الجمعة، والحرص على حضورها قبل صعود الإمام المنبر، وروى
أحمد بسند حسن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَتِ الْمَلَائِكَةُ
عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ النَّاسَ مَنْ جَاءَ مِنَ النَّاسِ
عَلَى مَنَازِلِهِمْ، فَرَجُلٌ قَدَّمَ جَزُورًا، وَرَجُلٌ قَدَّمَ بَقَرَةً،
وَرَجُلٌ قَدَّمَ شَاةً، وَرَجُلٌ قَدَّمَ دَجَاجَةً، وَرَجُلٌ قَدَّمَ عُصْfُورًا، وَرَجُلٌ قَدَّمَ بَيْضَةً، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، وَجَلَسَ
الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، طُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ
يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».
5- القرب من الإمام:
روى أبو داود
بسند صححه الألباني عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا
مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ
سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».
ففي الحديث دعوة
إلى الاجتهاد في يوم الجمعة من أجل أن يكون المسلم قريباً من الإمام، فإن ذلك
يحمله على الحضور المبكر للجمعة، ثم حسن الاستفادة من الخطبة، وفي هذا تأكيد على
أن الاقتراب من الإمام إنما يكون بالتبكير إلى الحضور، فلا ينبغي أن يتأخر المسلم
في بيته ثم يأتي إلى المسجد ويتخطى رقاب الناس حتى يقترب من الإمام، فإن هذا منهي
عنه.
وروى أبو داود،
وأحمد، بإسناد صححه الألباني عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ
عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ
بْنِ بُسْرٍ: جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ»، ففيه نهي عن تخطي
الرقاب، وفي التحذير منه أيضاً ما رواه ابن ماجة عن أنس أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ».
6- الإنصات للخطبة:
روى البخاري،
ومسلم، عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ
لَغَوْتَ».
وفي صحيح مسلم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ
فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا».
وروى أحمد في
مسنده عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ مَوْلَى
امْرَأَتِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ، خَرَجَ الشَّيَاطِينُ يُرَبِّثُونَ النَّاسَ إِلَى أَسْوَاقِهِمْ،
وَمَعَهُمُ الرَّايَاتُ، وَتَقْعُدُ الْمَلائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ
يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ: السَّابِقَ، وَالْمُصَلِّيَ،
وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، فَمَنْ دَنَا مِنَ الْإِمَامِ
فَأَنْصَتَ، وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ كِفْلانِ مِنَ الْأَجْرِ،
وَمَنْ نَأَى عَنْهُ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ كِفْلٌ
مِنَ الْأَجْرِ، وَمَنْ دَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ وَلَمْ يَسْتَمِعْ،
كَانَ عَلَيْهِ كِفْلانِ مِنَ الْوِزْرِ، وَمَنْ نَأَى عَنْهُ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ
وَلَمْ يَسْتَمِعْ، كَانَ عَلَيْهِ كِفْلٌ مِنَ الْوِزْرِ، وَمَنْ قَالَ: صَهٍ،
فَقَدْ تَكَلَّمَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فَلا جُمُعَةَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا
سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ».
7- الإكثار من الصلاة على النبي:
من أعظم القربات في هذا اليوم الفضيل، الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى أبو داود بسند صحيح عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»، وروى البيهقي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».
8-
قراءة سورة «الكهف»:
ويُسن للمسلم في
يوم الجمعة وليلتها أن يقرأ سورة «الكهف»؛ لما لها من فضل عظيم ونور مبين؛ فقد روى
الحاكم، والبيهقي، وصححه الألباني عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ
الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ
الْجُمُعَتَيْنِ»، ويبدأ وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم
الجمعة.
اقرأ أيضاً: