فِعْلُ الخير عادة

تَعوَّد بسطَ الكفِّ حتى لو أنه ثناها لقَبْضٍ لم تُطعْهُ أناملُه
تـراه إذا مـا جـئتَه مُتـهلِّلاً كأنَّك تُعطيه الذي أنت سَائلُهْ
ولو لم يكن في كفِّه غير رُوحه لجاد بها فليتق اللهَ سائلُهْ
تذكرني هذه الأبيات بالعم أبي بدرعبدالله المطوع، رحمه الله، فكان لا يرد سائلاً ونفسه راضية وبشوش الوجه.
كيف لا وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم
قدوته وتخلّق بأخلاق الإسلام؟!
قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي
تواسي زوجها وتذكر صفاته: «كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله، إنك
لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على
نوائب الحق».
ومما يُذكر:
قديماً كان عمال النظافة يأتون للسعودية
من إحدى الدول، وكان العامل منهم إذا جاء عند بيت معين تقدم له راعية البيت الفطور
كل يوم إذا جاء يأخذ الزبالة، كان هذا البيت في حي من أحياء بريدة قديماً.
مرت السنوات وتغيرت حال هذا العامل بعد
أن أغناه الله، وجاء هذا العامل إلى هذا البيت بعد سنين، وسأل عن تلك المرأة، فقال
له أهل البيت: إنها توفيت منذ زمن!
فقال: أردتُ إخبارها بأني بنيت مسجداً
لها في بلدي بعد أن منَّ الله عليَّ بالمال؛ تقديراً لرحمتها وعطفها وتقديم الطعام
لي أيام ضيقي وحاجتي.
فسبحان الله! قطفت ثمار إحسانها وهي تحت
الثرى ربما تكون بأمسّ الحاجة لهذا العمل.
فلا تحقرن من المعروف شيئاً واعمل الخير؛
كثيراً أو قليلاً، المهم ألا تقف هذه العادة والعبادة؛ «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ
بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَة»، وعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب
ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم
فلوة حتى تكون مثل الجبل».
تأمل
قيل لبعض الحكماء: إن فلانًا جمع مالاً،
قال: فهل جمع أياماً ينفقه فيها؟ قيل: لا، قال: ما جمع شيئاً.
واعلم أن كلاً يعطى بعمل الخير حسب طاقته
واستطاعته، وما أجملها من عبرة من ذلك الأمريكي الذي وقف بعد الصلاة وقرأ «الفاتحة»
بطريقة ركيكة، ثم جلس، فسأله الإمام، فقال: أسلمت منذ يومين، وقرأت أن الرسول صلى
الله عليه وسلم قال: «بلغوا عني ولو آية»! «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا
فقهوا».
وانظر إلى فعل صحابة النبي صلى الله عليه
وسلم يتسارعون للخير ويبادرون للمساهمة بالجهاد، فيصفهم الله عز وجل بكتابه الكريم:
(وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا
مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا
يُنفِقُونَ) (التوبة: 92)؛ نعم، إنها نفوس تربت على العطاء وحب الخير.
وختاماً، اقرؤا إن شئتم ما قاله ابن عقيل:
«إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عُمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة،
وبصري عن مطالعة، أعملتُ فكري في حال راحتي، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي
ما أسطره، وإني لأجدُ من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجدُه
وأنا ابن عشرين سنة».
فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا، واجعلنا
مفاتيح للخير ومغاليق للشر يا رب!