27 فبراير 2025

|

من أسباب الضلال.. الذنوب والمعاصي

د. علي الصلابي

27 فبراير 2025

31

ما هلكت الأمم إلا بعصيانها وتكبرها وامتناعها عن التوبة، ولقد كانت ومازالت كثرة الذنوبُ والمعاصي من أهم أسباب الضلال، وخصوصاً إذا لم يتبعها توبة واستغفار، فهذه سنة الله الجارية في خلقه، وذلك أن الذنوب سبب في صدأ القلب وتكون الران عليه الذي يمنع من دخول الإيمان إلى قلب صاحبه، قال تعالى:" وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ *  كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (المطففين: 12 - 14) .

أي ليس الأمر كما زعموا، ولا كما قالوا: أن هذا القرآن أساطير الأولين، بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الران الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا (تفسير ابن كثير، 4/ 485)

ثم إن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ولا للكفر منها مخلص، فذلك هو الطبع والختم الذي ذكره الله تعالى في قوله: "خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ" (البقرة: 7).

وجاء قوله تعالى مهدداً للذين يقترفون الذنوب والمعاصي بأن يطبع على قلوبهم فلا يدخلها الإيمان، قال تعالى: "أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ  يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ" (الأعراف: 100). ( السنن الإلهية في الحياة الاجتماعية، شريف صالح، 1/ 119).

ثم إن الذنوب والمعاصي سبب في مرض القلوب، لأن صحتها تكون بمعرفة الله وطاعته والإنابة إليه والتزام أمره، وإيثاره على غيره، ومحبته والتوكل عليه، وإفراده بالعبودية دون سواه، فإذا تتابعت هذه الذنوب وتكاثرت اشتد مرض القلب، ثم لا تزال الذنوب بالقلب حتى تغلب عليه فيموت بالكلية، ومن مات قلبه فإنه لا ينتفع بالهدى ولا الإيمان، ولا يسمع ولا يعقل ولا يبصر، فالقرآن الكريم لا ينتفع به إلا من كان حياً أما من صار في عداد الأموات فإنه لا ينتفع به، قال تعالى:"" إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ"" (يس: 69 -70). وقال تعالى:" إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (الأنعام: 36) (الإيمان بالقدر، الصلابي، ص133).

 

مراجع:

1.  تفسير ابن كثير.

2.  السنن الإلهية في الحياة الاجتماعية، شريف الشيخ صالح، السعودية، 1987م.

3.  الإيمان بالقدر، علي الصلابي، دار الأصالة، ط1، تركيا، 2023م.  


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة