من متاع الدنيا إلى نعيم الرضا.. قصة توبة

مجـلة المجتمع

21 سبتمبر 2025

33

«كان عبدالله بن مرزوق من ندماء المهدي، ‌فسكر ‌يوماً ‌ففاتته ‌الصلاة، فجاءته جارية بمجمرة فوضعتها على رجله، فانتبه مذعوراً، فقالت: لم تصبر على نار الدنيا فكيف تصنع بنار الآخرة؟

فقام وقضى الصلاة وتصدّق بما معه وذهب يبيع البقل، فدخل عليه فضيل بن عياض، وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء، فقالا: إنه لم يدع أحد شيئاً إلّا عوّضه الله منه بدلاً، فما عوّضك ما تركت له؟ قال: الرّضا بما أنا فيه». (التذكرة الحمدونية).

أهم المعاني

  • ندماء: جمع نَديم، وهو المصاحب الذي يشارك في المجلس للحديث أو الشراب.
  • فسكر: أصبح في حالة سُكْر (ثمل) من شرب الخمر.
  • فانتبه مذعوراً: استيقظ من نومه فجأة وهو في حالة خوف شديد وفزع.
  • مجمرة: وعاء صغير (مبخرة أو مجمر) يُوضع فيه الجمر (الفحم المتقد) للتدفئة أو للتطيب.
  • البقل: هنا يقصد الخضراوات الورقية (مثل السبانخ، والخس..) أو النباتات التي تؤكل أوراقها؛ أي أنه ذهب ليعمل في بيع الخضراوات بشكل بسيط وتجارة متواضعة.
  • لبنة: قالب من الطين المحروق (طابوق) أو حجر، يستخدم في البناء، هنا يستخدمها وسادة ليضع رأسه عليها، دليلاً على زهده وتقشفه.
  • عوّضه الله منه بدلاً: أعطاه الله تعالى بديلاً أفضل وأعظم مما تركه من أجل الله.
  • الرّضا بما أنا فيه: القناعة التامة والارتياح للحالة التي أعيشها الآن (من فقر وزهد بعد الغنى).

دروس وفوائد

1- فطنة المرأة وحكمتها: الجارية لم توبخه مباشرة، بل استخدمت أسلوبًا عمليًا حكيمًا (المجمرة)، وسؤالًا بلاغيًا مؤثرًا: «لمْ تصبر على نار الدنيا؛ فكيف تصنع بنار الآخرة؟»؛ ما هز مشاعره وأثّر فيه.

2- سرعة الاستجابة للتوبة: بمجرد أن انتبه، لم يتردد أو يؤجل، بل قام فورًا لقضاء الصلاة والتصدق بكل ما يملك، وهذا من علامات صدق التوبة.

3- التوبة النصوح: لم تكن توبة كلامية فقط، بل كانت عملية بترك المعصية (السُّكْر)، والندم على التفريط (الصلاة)، والعزم على عدم العودة، والزهد في الدنيا.

4- الزهد والتوكل: بيع البقل عمل متواضع يدل على زهده في منصبه السابق كنديم للأمير وتركه للحياة المرفهة، واتكاله على الله.

5- الرضا بالقضاء: أعظم العبر يتمثل رد عبدالله بن مرزوق على الفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة؛ لقد استبدل نعيم الرضا والقناعة بما قسمه الله بالنعيم الدنيوي، وهذا هو أغنى الغنى.

6- جزاء الترك لله: عندما يترك الإنسان شيئًا لله، يعوضه الله خيرًا منه، والعوض ليس بالضرورة مالاً أو متاعًا، بل قد يكون في القلوب كَالرِّضَا.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة