هل نحن على وشك انهيار الاقتصاد العالمي؟ تحليل للأسباب ورؤية ما بعد الرأسمالية

يمر الاقتصاد العالمي حالياً بفترة حرجة تتسم
بالاضطراب وعدم اليقين، فقد وصل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وتعرضت سلاسل التوريد
لاضطرابات واسعة، وتسببت الصراعات والحروب في مصاعب اقتصادية واسعة النطاق، وبناءً
على هذه المعطيات، يحذر العديد من الخبراء الآن من أن انهيار الاقتصاد العالمي أصبح
احتمالاً حقيقياً يلوح في الأفق.
في هذا المقال، نستعرض العوامل التي ساهمت
في هذا الوضع الاقتصادي الراهن، ونغوص في التحليل النقدي الذي قدمه الكاتب والصحفي
البريطاني بول مايسون في كتابه الشهير لمناقشة التحديات الهيكلية للنظام الرأسمالي.
العوامل الدافعة نحو انهيار الاقتصاد العالمي
تضافرت مجموعة من العوامل الهيكلية والآنية
التي دفعت بالاقتصاد العالمي إلى وضعه الحالي الهش، وتشمل أبرز هذه العوامل ما يلي:
1- الديون المفرطة والهشاشة المالية:
تراكمت لدى العديد من الحكومات والشركات مستويات
قياسية من الديون في السنوات الأخيرة، هذا الارتفاع في المديونية جعل الكيانات الاقتصادية
أكثر عرضة للصدمات، حيث أصبحت تكلفة خدمة الدين عبئاً ثقيلاً يهدد الاستقرار المالي
العالمي مع ارتفاع أسعار الفائدة.
2- تزايد عدم المساواة الاقتصادية:
شهدت العقود الأخيرة تزايداً ملحوظاً في الفجوة
بين الأغنياء والفقراء، هذا التفاوت المتزايد يؤدي إلى انخفاض في الطلب الكلي، إذ يمتلك
العدد الأكبر من السكان (الطبقات الأفقر) أموالاً أقل لإنفاقها على السلع والخدمات؛
ما يحد من النمو الاقتصادي المستدام.
3- التأثيرات الاقتصادية لتغير المناخ:
يُعد تغير المناخ من التحديات الاقتصادية الكبرى، إذ يتسبب في عدد من المشكلات المباشرة وغير المباشرة، مثل الأضرار البالغة
التي تلحق بالبنية التحتية، وتعطيل الإنتاج الزراعي، وتفاقم ظاهرة الهجرة الجماعية
التي تضع ضغوطاً إضافية على الموارد العامة.
4- الحروب والصراعات الجيوسياسية:
أدت الحروب والصراعات الجيوسياسية إلى اضطرابات
حادة، لا سيما في إمدادات الطاقة والغذاء العالمية؛ ما ساهم في تفاقم موجة التضخم وفقدان
الثقة بشكل عام في آفاق الاقتصاد العالمي.
رؤية ما بعد الانهيار.. تحليل بول مايسون
يجد الاقتصاد العالمي نفسه الآن عند مفترق
طرق حاسم، وفي هذا السياق، يبرز كتاب «انهيار الاقتصاد العالمي» للكاتب والصحفي البريطاني
المتخصص بول مايسون، كأحد أهم الأعمال التي حللت الأزمة الاقتصادية من منظور نقدي عميق،
مسلطاً الضوء على خطايا النظام النيوليبرالي.
يكشف مايسون كيف كان مهندسو النيوليبرالية
ينتظرون هذه الانهيارات ليقوموا بالبناء على أنقاضها، يغطي الكتاب تفاصيل الأزمة المالية
العالمية لعام 2008م وكل ما تبعها، مرتكزاً على محاور تحليلية رئيسة:
- تشريح الأزمة: يتابع الكتاب ميدانياً تراجع أسواق الأسهم العالمية، وتحول التضخم إلى انكماش، وانهيار الاعتقاد في الرأسمالية وجبروتها.
- انتشار الأزمة عالمياً: يقدم مايسون أمثلة حية على انهيار الأنظمة المصرفية في بريطانيا وأمريكا وأوروبا، وتفشي الأزمة في الصين وباقي مناطق العالم.
- فشل النظريات المالية: ينقل ما دار في البرلمانات العالمية من نقاش حول الأزمة، ويعلن فشل وعدم جدوى النظريات المالية الحديثة كافة.
- أسباب الأزمة الجذرية: يفند الكتاب الأسباب،
متّهماً رفع القيود عن مصارف الاستثمار بالدرجة الأولى، وفورة الرهنيات العقارية متدنية
الأقساط، والتناقض بين إستراتيجيات السياسيين والتطور الهائل للقطاع المالي والمصرفي.
يخلص مايسون إلى أن الخيار الذي يواجه العالم
المتقدم هو إما التأميم السريع والحاسم للمصارف بالتضافر مع تحفيز مالي هائل يقوده
الإنفاق العام وخلق الوظائف؛ وإما سيتحول الركود إلى انكماش اقتصادي عالمي طويل.
إذا لم تتخذ الحكومات والشركات الإجراءات
اللازمة لمعالجة التحديات الهيكلية والآنية التي تواجهها، فإن انهيار الاقتصاد العالمي
يصبح احتمالاً لا مفر منه، ومع ذلك، وكما يرى مايسون، العمل المشترك واتخاذ قرارات
جذرية جديدة هي السبيل الوحيد لمنع الانهيار وبناء مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً للجميع،
يتجاوز حدود الاقتصاد التقليدي.